خلق الله السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام. ومع ذلك، نرى أن النجوم لا تزال تتشكَّل. والكواكب لا تزال تُخلق. إذا كان الله قد خلق كل شيء بين السماوات والأرض في ستة أيام، كيف لا تزال الكواكب والنجوم تُخلَق؟ ما هو رأي العلماء حول أمور مثل النجوم والكواكب التي لا تزال تُخلق بعد الأيام الستة؟
الحمد لله.
بين ربنا تبارك وتعالى أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، فقال الله تعالى: الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًاالفرقان/59
وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ق/38
وجاء تفصيل ذلك في قوله تعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِفصلت/9-12
وقول تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا* وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْالنازعات/27-33.
وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير سورة السجدة، قال: ” وَخَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ، وَدَحْوُهَا: أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا المَاءَ وَالمَرْعَى، وَخَلَقَ الجِبَالَ وَالجِمَالَ وَالآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {دَحَاهَا} [النازعات: 30]. وَقَوْلُهُ: {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9]. فَجُعِلَتِ الأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ”.
وروى النسائي في السنن الكبرى (11328) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِي قَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَوْمَ السَّابِعِ، وَخَلَقَ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَالْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَالشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَالتِّقْنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَالنُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَالدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَآدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَخَلَقَ أَدِيمَ الْأَرْضِ أَحْمَرَهَا وَأَسْوَدَهَا، وَطَيِّبَهَا وَخَبِيثَهَا، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ آدَمَ الطِّيِّبَ وَالْخَبِيثَ قال الألباني في “السسلسلة الصحيحة” (2/ 726): “رجاله ثقات” انتهى.
فقوله: (وما بينهما) يشمل النجوم والجبال والآكام والماء والشجر والدواب.
وليس في الآية أن الله خلق هذه الأشياء ولن يخلق بعدها مثلها، فالله هو الخلاق العليم، لم يزل خالقا، ويخلق متى شاء.
ولا علم لنا بأن النجوم والكواكب لا تزال تُخلق، فإن هذا إنما يعلم بالوحي، وليس في القرآن والسنة ما يفيد ذلك، والثابت علميا أن العلماء يكتشفون كل مدة شيئا منها، ولا يزعمون أن كوكبا جديدا قد خلق من حينه، أو أنه خلق بعد ذلك الوقت الذي أخبر فيه أن خلق هذه المخلوقات، والقول في ذلك ضرب من الرجم بالظنون.
ولو ثبت أن نجما أو كوكبا قد خلق خلقا جديدا، أونه وجد في زمان متأخر، ولم يكن قد وجد قديما؛ فلا إشكال أيضا؛ فإن النبات والشجر (المرعى) والدواب لا تزال تُخلق، كما هو معلوم مشاهد، وكما نشاهد حدوث السحاب والمطر والإنسان وغيره من الحيوان، فإن هذه مخلوقات كائنة بعد أن لم تكن.
وروى البخاري (4850)، ومسلم (2846) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ: فَلاَ تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلاَ يَظْلِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الجَنَّةُ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا.
وللبخاري (7384)، ومسلم (2848) من حديث أنس رضي الله عنه: وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ.
فلا ريب أن الله تعالى لم يزل خلاقا، ويخلق ما شاء، كيف شاء، متى ما شاء!
وقد قال: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ يس/81.
والله أعلم.