ما هي الآداب والواجبات التي تترتب على المضيف عند الدعوة الى وليمة، كما جاء في السيرة النبوية وسير الصحابة رضي الله عنهم؟
الحمد لله.
يستحب للداعي أن يراعي جوانب شرعية، وما تقرر في عرف الناس من الأخلاق الحسنة، وصالح التراتيب الملائمة لما يعهده الناس، ويألفونه. وهذا يختلف من بلد إلى بلد، حسب عادات الناس، وما جرت عليه أعرافهم الاجتماعية. فعلى المرء مراعاتها في ضيافاته، وسائر أمره، ما لم تخالف ما هو مقرر في الشريعة.
ومن الأمور التي ينبغي مراعاتها، مما نص عليه أهل العلم أخذاً من الأدلة التفصيلية أو القواعد الشرعية العامة ما يلي:
1- ألا يخص الأغنياء بالدعوة ويترك الفقراء. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ رواه البخاري (4882) ومسلم (1432).
ويستثنى من ذلك: ما لو دعا قوما لصنيعة خاصة، ولم يخصهم في ولائمه لأجل غناهم، مثل أن يدعو جيرانه، أو زملاءه في عمل ونحوه، أو أقاربه وكلهم أغنياء؛ فهذا لا يدخل في الذم، إنما المراد الدعوة العامة، مثل وليمة العرس ونحوها من الدعوات العامة.
2- أن يتلمس في دعوته أهل الصلاح والتقوى. لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي رواه الترمذي (2395) وحسنه الألباني.
إلا إذا كان يتألف أقواما من غير الصاحين، أو كان في دعوتهم غرض صحيح.
3- أن ينزه وليمته عن المنكرات، مثل أدوات اللهو والمعازف ونحوها. فإن لم يراع ذلك؛ سقط حقه في إجابة دعوته.
قال ابن مفلح رحمه الله: “تسقط حرمة الداعي إلى وليمة: بفعله ما لا ينبغي” انتهى من “الآداب الشرعية” (1/ 289).
وقال الخادمي رحمه الله: “بخلاف إجابة دعوة فيها منكر، كالغناء واللعب…
فإن الداعي لما ارتكب المعصية الموجبة لسخط الرب، لم يستحق الإجابة، زجرا له؛ لأن من لا يُجيب، لا يجاب، فلم تكن الإجابة سنة ـ بل كانت حراما” انتهى من “بريقة محمودية” (4/ 51).
4- أن يتجنب المفاخرة والمباهاة.
قال ابن مفلح رحمه الله: “كان ابن عباس يقول: “إن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل ” إسناده جيد…
وذكر ابن الأثير: أن المتباريين هما المتعارضان، ففعلهما ليعجز أحدهما الآخر بصنيعه. وأنه إنما كرهه لما فيه من المباهاة والرياء” انتهى من “الآداب الشرعية” (1/ 295).
5- أن يختار الزمان والمكان المناسبين للمدعوين، وألا يشق عليهم بدعوتهم في زمن يصعب عليهم الحضور فيه، مثل أيام العمل، والأماكن البعيدة، ولكن يختار من الأوقات والأماكن ما لا يشق فيه على المدعوين.
قال ابن مفلح رحمه الله: “قال الإمام أحمد رحم الله ابن سيرين فإنه قال: لا تكرم أخاك بما يشق عليه…، وقال ابن الجوزي: لا تدعو من تشق عليه الإجابة ” انتهى من “الآداب الشرعية والمنح المرعية” (1/ 295).
6- أن يُقدّم الكبير وأهل الفضل في البداءة بالطعام، وهذا من توقير الكبير. فعن حذيفة رضي الله عنه قال: “كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا، حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعَ يَدَهُ” رواه مسلم .
قال النووي رحمه الله:” “فيه بيان هذا الأدب، وهو أنه يبدأ الكبير والفاضل في غسل اليد للطعام وفي الأكل” انتهى من “شرح النووي على مسلم” (13/ 188).
7- أن يتبسَّط مع المدعوين في الترحيب بهم، والحديث معهم، وأن يشاركهم في الطعام، فإن هذا من إكرام الضيف، وفي الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَه رواه البخاري (5672).
8- ألا يلح على من كان صائما بالفطر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد خيرهم بين الأكل أو الدعاء لصاحب الدعوة.
فعن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ. فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كان مفطرا فليطعم رواه مسلم (1431).
هذه جملة من الآداب التي ينبغي للداعي مراعاتها بكل حال، وهناك آداب أخرى قد توجبها أعراف وعادات ينبغي مراعاتها حسب العرف والعادة الاجتماعية، مالم يكن فيها محذور شرعي.
والله أعلم.