ما حكم تشغيل مبلغ من المال في أحد البنوك، مقابل أن يأخذ البنك رسوما ٦ بالمئة، رسوم تشغيل سنوية من إجمالي المبلغ، مع العلم إن البنك يعطي أرباحا متفاوتة وغير ثابتة كل ثلاثة أشهر؟
الحمد لله.
أولا:
يشترط للاستثمار في البنك وغيره ثلاثة شروط:
1 – العلم بمجال الاستثمار، وأنه مباح، فلا يجوز الاستثمار في بنك حتى يعلم أين يستثمر المال، فقد يستثمره في الإقراض بالربا، وقد يضع جزءا منه في السندات الحكومية الربوية، فيحرم الاستثمار حينئذ.
ويعرف مجال الاستثمار بالنظر في التقرير المالي للبنك.
2 – عدم ضمان رأس المال، فلا يلتزم البنك برد رأس المال في حال الخسارة، ما لم يحصل منه تقصير أو تفريط ويكون هو السبب في الخسارة.
وذلك أن رأس المال إذا كان مضموناً، كان قرضا في الحقيقة، وما جاء منه من فوائد يعتبر رباً.
فيشترط هنا: ألا يتضمن العقد مع البنك أنه ملتزم برد رأس المال مطلقا.
3 – أن يكون الربح محددا متفقا عليه، لكنه يحدد كنسبة شائعة من الربح وليس من رأس المال، فيكون للمستثمر مثلا الثلث أو النصف أو 20% من الأرباح، لا من رأس المال.
ولا يصح أن تكون نسبة الربح مجهولة، وذلك مفسد للمعاملة شرعا، كما لا يصح أن يكون الربح مبلغا محددا أو نسبة من رأس المال.
قال ابن قدامة رحمه الله: “ومن شرط صحة المضاربة تقدير نصيب العامل؛ لأنه يستحقه بالشرط، فلم يقدر إلا به”.
ثم قال: “وإن قال: خذه مضاربة، ولك جزء من الربح، أو شركة في الربح، أو شيء من الربح، أو نصيب أو حظ. لم يصح؛ لأنه مجهول، ولا تصح المضاربة إلا على قدر معلوم …
والحكم في الشركة كالحكم في المضاربة، في وجوب معرفة قدر ما لكل واحد منهما من الربح” انتهى من “المغني” (5/ 24 – 27).
وعليه: فإن كان العقد مع البنك عقد مضاربة، وكان البنك يأخذ نسبة 6% من الربح، والباقي وهو 94 % للمستثمرين، وتحققت الشروط السابقة، فلا حرج في الاستثمار فيه.
ثانيا:
إذا كان البنك يأخذ 6% رسوما سنوية من إجمالي المبلغ، والربح كله لك، فهذا عقد “وكالة بالاستثمار” ولا يصح مضاربة ولا شركة؛ لأن ربح البنك نسبة من رأس مالك.
وفي عقد الوكالة بالاستثمار، يأخذ البنك المال ليستثمره لصالحك، والربح كله يكون لك، مقابل أجرة معلومة للبنك، مبلغا مقطوعا، أو نسبة من رأس المال كأن يأخذ 6% من رأس مالك.
وهذا جائز إن كان المجال مباحا، ولم يضمن الوكيل رأس المال؛ لأن يد الوكيل يد أمانة.
قال في “شرح منتهى الإرادات” (2/ 202): ” والوكيل أمين لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط؛ لأنه نائب المالك في اليد والتصرف، فالهلاك في يده كالهلاك في يد المالك كالمودع والوصي ونحوه، وسواء كان متبرعا أو بجُعل، فإن فرط أو تعدى: ضمن ” انتهى.
جاء في “المعايير الشرعية، معيار الوكالة بالاستثمار”، ص 1143 : “الوكالة بالاستثمار هي إنابة الشخص غيره لتنمية ماله، بأجرة أو بغير أجرة…
إذا كانت الوكالة بأجرة فيجب تحديدها بحيث تكون معلومة، إما بملغ مقطوع، أو نسبة من المال المستثمر، ويجوز ربطها بمؤشر منضبط…” انتهى.
والواجب أن تعرض العقد على أهل العلم لينظروا في تفاصيله، ويتحققوا من كونه مضاربة أو وكالة، ومدى صحته وسلامته.
ثالثا:
يحرم الاستثمار في البنوك الربوية، سواء سمي الحساب حساب توفير أو استثمار أو غير ذلك؛ لعدم توفر شروط الاستثمار الجائز.
وينظر: جواب السؤال رقم: (113852).
والله أعلم.