لدي فكرة لتطبيق يعتمد على الواقع الافتراضي، حيث يتمكن المستخدمون من التفاعل مع أحبائهم المتوفين عبر بيئة افتراضية، باستخدام تجسيد رقمي يشبه المتوفي، بالإضافة إلى محادثات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، فهل يجوز شرعًا تنفيذ مثل هذه الفكرة؟
الحمد لله.
أولا:
التفاعل مع الأحباء المتوفين، ومحادثتهم اعتمادا على الذكاء الاصطناعي، لا خير ولا نفع فيه، بل يكتنفه محاذير:
1-منها تجديد الأحزان، والتعلق بالميت لا سيما إذا كان حديث الوفاة.
2-ومنها تضييع الوقت فيما لا ينفع، ولو أنه سبح أو استغفر لنفسه أو للميت لكان خيرا له.
3-ومنها البعد عن الواقع والانغماس في الخيالات والأوهام، ومخاطبة الميت وإخباره بالمستجدات وانتظار جواب الميت وتعليقه، فيما لا حقيقة له، وهذا ضرر على الإنسان، قد يلحقه به عزلة واكتئاب وعزوف عن لقاء الناس.
4-ومنها أنه قد يقود بعض الجهلة إلى الافتتان بهذا الميت، من جراء ما يجد من تفاعله، فيزداد تعلقه به، وربما طلب منه ودعاه من دون الله.
5- إذا كان التطبيق يستلزم وضع صورهم، ثم التفاعل معها بواسطة الذكاء الصناعي: فهذا أقبح، وهو وحده كاف في المنع من مثل هذا العمل، وتحريمه.
فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "«لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ذَكَرَتْ بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ رضي الله عنهما أَتَتَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: أولَئِكَِ إِذَا مَاتَ مِنْهُمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورَةَ، أولَئِكَِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ) رواه البخاري (1341).
ثانيا:
نحن مأمورون بالعمل، منهيون عن تضييع الأوقات، فعلينا أن نغتنم الحظات فيما ينفع، وأن نقدم للميت ما يخفف عنه ويرفع درجته من دعاء واستغفار وصدقة ونحوها.
روى الحاكم في "المستدرك" (7846) عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وروى الترمذي (2417) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟ ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وروى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه أنَّ رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مَرَّ بقبرٍ فقال: (مَنْ صاحبُ هذا القبرِ؟ ) فقالوا: فلان. فقال: (ركعتان أحبُّ إلى هذا من بقيّةِ دنياكم) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب".
فاصرفي النظر عن هذه الفكرة، وابحثي عما ينفع الناس في دينهم أو دنياهم بعيدا عن الخيالات والأوهام، ولا تفتحي على نفسك وعلى الناس باب شر، لا تدرين أين يؤدي بهم.
والله أعلم.