فى عام 2016، قامت والدتي بمساعدتي في شراء شقة للزواج، ودفعت تقريباً 50% من قيمتها، وأنا متزوج، وأقيم فيها حالياً، الآن تعسرت والدتي في مساعدة أخي في شراء شقته للزواج، وطلبت مني بمساعدتها بقيمة المبلغ الذى دفعته في حينه عند زواجي؛ لتبرئ ذمتها من مساعدة طرف دون الآخر، مع الأخذ في الاعتبار فرق التوقيت وقيمة العملة، مع العلم بأن أموري المالية الآن لا تسمح بذلك،
فهناك مقترح بأن أبيع شقتي بنظام التمويل العقاري فيما بيننا بصورة ودية، بحيث أظل مقيما في الشقة، ونحصل على تمويل من البنك، وحينها أرد إليها قيمة 50% من قيمة التمويل الذى حصلنا عليه من البنك، وأحتفظ أنا بالنصف الآخر لسداد قيمة الأقساط.
السؤال: هل هذه الآلية عملية التمويل العقاري لشقتي فيما بيننا حلال أم لا؟ وهل هذا يعد نوع من أنواع التحايل في بيع الشقة للحصول على تمويل وسداد والدتي، أم آلية شرعية لسداد ما علي من التزامات تجاه والدتي وأخي؟
الحمد لله.
أولا:
لا يجوز التحايل على البنك لبيع عقار بنظام المرابحة، بحيث يشتريه البنك منك، ثم يبيعه لوالدتك، ويسلمك الثمن، وتقوم أنت بسداد الأقساط، والحال أن الشقة باقية في ملكك، لن تشتريها والدتك شراء حقيقيا، وهذا التحايل فيه محذوران:
الأول: الوقوع في الربا؛ لأن المعاملة تؤول إلى قرض ربوي، وهو أن تأخذ مليونا مثلا من البنك، وتسدده مليونا ومائتين مثلا، والشقة حيلة، وهي باقية في ملكك، والقرض الربوي محرم بالإجماع.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (3/241): ” وأجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف – كما قال ابن مسعود – أو حبة واحدة” انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: ” وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة” انتهى من “المغني” (6/436).
المحذور الثاني: هو خداع البنك، ولو علم بذلك فلن يدخل في المعاملة، والخداع والغش محرمان.
روى مسلم (102) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي).
وقال صلى الله عليه وسلم: (المكر والخديعة في النار) رواه البيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني في صحيح الجامع .
سئل الشيخ سليمان الماجد: ” لدي أرض، وأرغب في بنائها، فهل يجوز أن أبيع الأرض على زوجتي بثمن آجل، ثم يشتريها البنك من زوجتي، وتسدد زوجتي لي ثمن الأرض ثم يبيع البنك الأرض علي بالتقسيط، وبثمن الأرض أستطيع بناءها؟
فأجاب حفظه الله: ” لا يجوز لك نقل ملكية الأرض لزوجتك لتبيعها على البنك، وتأخذ النقود ثم تشتريها من البنك بالتقسيط؛ لأن ذلك من التحايل على الاقتراض بفائدة” انتهى.
وقال الدكتور يوسف الشبيلي حفظه الله:
” من شروط المرابحة المصرفية: ألا يكون القصد من المعاملة التحايل على الربا …
ويظهر التحايل على الربا في المرابحة المصرفية في صور متعددة.
منها: أن يكون الآمر بالشراء، هو نفسه البائع على البنك، فإن كثيراً من الآمرين بالشراء يطلب شراء السلعة من شخص بعينه، قد يكون شريكاً، أو وكيلاً له، أو بينه وبين الآمر مواطأة على الحيلة.
فيحرم على البنك في بيع المرابحة للآمر بالشراء: أن يشتري السلعة من شركة أو محل تابع للآمر أو وكيله؛ لأن صورة ذلك، كصورة عكس مسألة العينة، فإن الآمر يبيع السلعة بنقد، ثم يشتريها من البنك نسيئة”، انتهى مختصراً من ” الخدمات الاستثمارية في المصارف وأحكامها في الفقه الإسلامي ” (2/ 428 – 437).
ثانيا:
قد تبين أن ما تريد القيام به أمر محرم، وهو على فرض أن التمويل العقاري تمويل جائز بطريق المرابحة، يتم فيه عقدان، عقد يشتري فيه البنك الشقة، ثم عقد يبيع فيه البنك الشقة.
وأما التمويل العقاري الذي تقوم به البنوك الربوية، وهو دفع الثمن نيابة عن المشتري، من غير أن يشتري البنك، ثم يبيع: فهذا ربا لا يجوز التعامل به ولو كنت ستبيع الشقة بيعا حقيقيا لوالدتك.
ثالثا:
إذا كانت والدتك قد ساعدتك بنصف ثمن الشقة، ولم يكن لك إلا أخ واحد، فطريق العدل أن تعطي أخاك مثل ذلك، وينبغي أن تراعي انخفاض العملة، أو أن تسترد منك ما أعطتك، فإن لم يكن معك، فإنها تنظرك.
ولعلك تجد مخرجا لجمع المال عن طريق عمل جمعية-جمعية الموظفين-، أو عن طريق التورق بأن تشتري سيارة مثلا بالتقسيط، ثم تبيعها في السوق بثمن حال، والتورق جائز عند جمهور الفقهاء.
وينظر: جواب السؤال رقم: (130147)، ورقم: (45042).
والله أعلم.