هل يجوز له الكذب على والديه للخروج لطلب العلم ؟
بعد أن مَنَّ الله علي بالإسلام ، أحببت أن أخرج لطلب العلم ولكن أبواي منعاني ويعارضان ذلك بشدة ، فاضطررت إلي الخروج لطلب العلم في أحد البلاد المجاورة دون إذنهما ، ومن ورائهما وكنت إذا تأخرت في المرواح إلى المنزل ، يسألاني ، فأكذب عليهم، إضافة إلى ذلك أنا أقضي يوماً كاملاً من الأسبوع خارج المنزل على اعتبار أنني أذاكر مع أحد الزملاء، وهكذا أقوم كثيراً بالكذب عليهم ... فسؤالي الأول 1- هل يجوز ذلك (أعني الكذب عليهم) لمعرفتي أن الكذب جريمة بشعة وذنب عظيم ولكنه هو الطريقة الوحيدة للاستمرار في طلب العلم 2- ماذا أفعل إذا عرفا ما كنت أخفيه وواجهاني بالأمر ، بالتأكيد سيمنعاني ، فهل أنزل على رغبتهما أم أستمر في طلب العلم ، علماً بأنهم قد يخرجاني من البيت إذ لم أفعل ، وأنا ما زلت طالباً في كلية الطب ، ولا أتقن أي عمل أشتغل به خارج المنزل طلباً للرزق فماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
طلب العلم الشرعي قربة من أعظم القربات ، وعنوان على توفيق الله للعبد ومحبته له ؛
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي
الدِّينِ) رواه البخاري (71) ومسلم (1037)
.
وهذا العلم ينقسم إلى فرض عين ؛ وإلى فرض كفاية ، ففرض العين منه ، ما يحتاجه
المسلم لتصح عقيدته وعبادته ومعاملته.
وما عدا ذلك فهو نفل في حق الفرد ، فرض كفاية على مجموع الأمة .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل دراسة العلم الشرعي فرض ؟
فأجابوا : "العلم الشرعي على قسمين : منه ما هو فرض على كل مسلم ومسلمة ، وهو معرفة
ما يصحح به الإنسان عقيدته وعبادته ، وما لا يسعه جهله ، كمعرفة التوحيد وضده الشرك
، ومعرفة أصول الإيمان وأركان الإسلام ، ومعرفة أحكام الصلاة وكيفية الوضوء
والطهارة من الجنابة ونحو ذلك ، وعلى هذا المعنى فُسر الحديث المشهور : ( طلب العلم
فريضة على كل مسلم ) .
والقسم الآخر : فرض كفاية ، وهو معرفة سائر أبواب العلم والدين ، وتفصيلات المسائل
وأدلتها ، فإذا قام به البعض سقط الإثم عن باقي الأمة "
انتهى
.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12/90)
.
ثانيا :
الأصل في الكذب أنه حرام ، ولا يباح إلا في حالات خاصة بينتها الشريعة ، تحقيقا
للمصلحة العظيمة أو دفعا للمضرة ، وانظر هذه الحالات في جواب السؤال رقم (47564)
.
ثالثا:
الخروج لطلب العلم بغير إذن الوالدين أو مع مخالفتهما ، فيه تفصيل :
1- إن كان العلم فرضا متعينا ، فلا يشترط إذن الوالدين ، وإن منعاه فلا طاعة لهما
في ذلك ، إلا أن الكذب عظيم ، وفي المعاريض مندوحة عنه ، قال البخاري رحمه الله في
صحيحه : "باب المعاريض مندوحة عن الكذب . وقال إسحاق : سمعت أنسا : مات ابن لأبي
طلحة ، فقال : كيف الغلام ؟ قالت أم سليم : هدأ نَفسُه ، وأرجو أن يكون قد استراح .
وظن أنها صادقة".
والتعريض : ضد التصريح ، والمراد به التورية ، والمندوحة : الفسحة والسعة .
قال الحافظ : " وشاهد الترجمة منه قول أم سليم : هدأ نَفَسُه ، وأرجو أن قد استراح
؛ فإن أبا طلحة فهم من ذلك أن الصبي المريض تعافى ؛ لأن قولها : هدأ ، بمعنى سكن .
والنفَس مشعر بالنوم ، والعليل إذا نام أشعر بزوال مرضه أو خفته ، وأرادت هي أنه
انقطع بالكلية بالموت ، وذلك قولها : وأرجو أنه استراح . فهم منه أنه استراح من
المرض بالعافية ، ومرادها أنه استراح من نكد الدنيا وألم المرض ، فهي صادقة باعتبار
مرادها ، وخبرُها بذلك غير مطابق للأمر الذي فهمه أبو طلحة ، فمن ثَمَّ قال الراوي
: وظن أنها صادقة ، أي باعتبار ما فهم".
انتهى من "فتح الباري" (10/594) .
وقال ابن قتيبة رحمه الله : " فمن المعاريض قول إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم
في امرأته : إنها أختي ، يريد أن المؤمنين إخوة ".
انتهى من "تأويل مختلف الحديث" ص 35
.
فلو سئلتَ عن تأخرك مثلا فلك أن تقول : إنك كنت تذاكر أو تدرس مع زميلك ، فيُظن أنك
تقصد مذاكرة دروس الطب ، والواقع أنك تقصد الدروس الشرعية ، أو أن تقول : كنت عند
زميلي ، وتقصد زميلك في طلب العلم ، أو أنك مررت على زميلك بالفعل بعد رجوعك من درس
العلم ، وهذه المعاريض إنما تستعمل عند الحاجة ، وأما الإكثار منها بغير حاجة فلا ؛
لأن ذلك باب إلى الكذب ، وسقوط الهيبة ، وانعدام الثقة فيما يقوله المرء .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل طلب العلم المفروض مشترط فيه إذن الأبوين
أم لا ؟
فأجابوا : طلب العلم الذي يتوقف عليه صحة إيمانك وأداء الفرائض ، لا يتوقف على إذن
الوالدين ، وما كان من العلوم فرض كفاية فاستأذن فيه الوالدين "
انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12/78) .
2- وإن كان الوالدان يمنعان من حضور حلقات العلم كراهة في العلم الشرعي ، فلا إذن
لهما ولا طاعة في ذلك ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ... وأما إذا علم كراهة
الوالدين للعلم الشرعي فهؤلاء لا طاعة لهما ، ولا ينبغي له أن يستأذن منهما إذا خرج
؛ لأن الحامل لهما كراهة العلم الشرعي " وانظر تمام كلامه في جواب السؤال رقم (11558)
.
3- وإن كان الخروج لطلب العلم يستلزم السفر والغياب عنهما مع حاجتهما إليك لخدمتهما
ونحو ذلك ، فلابد من إذنهما ؛ أما إذا كان طلب العلم في البلد التي أنت بها ، ولا
يحتاجان إليك فترة غيابك فلا يشترط إذنهما في ذلك .
روى الخلال عن أحمد رحمه الله : " أن رجلا سأله : إني أطلب العلم ، وإن أمي تمنعني
من ذلك ، تريد حتى أشتغل في التجارة ؟ قال لي : دارِها وأَرضها ، ولا تدع الطلب .
وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/646) : "ذكر صاحب النظم : لا يطيعهما في ترك
نفل مؤكدٍ ، كطلب علم لا يضرهما به" انتهى
.
رابعا : ينبغي أن تعلم أن طرق تحصيل العلم كثيرة ، لا سيما في هذا الزمن الذي
انتشرت فيه الأشرطة والاسطوانات والكتب ، فمن ذلك :
1-الاستفادة من الكتب والأشرطة والشروح الموجود على الإنترنت .
2-الاستفادة مما يعرض في بعض القنوات الفضائية ، كالدروس العلمية النافعة التي
تعرضها قناة المجد التعليمية .
3-قراءة الكتب ، مع سؤال أهل العلم ، عن طريق الإنترنت وغيره ، عما أشكل .
وانظر جواب السؤال رقم: (20191)
ففيه بيان كيفية طلب العلم .
نسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .