هل من الكفار من يحب المسلمين ويريد لهم الخير؟
هناك من يدعي أن بعض الكفار يحبون المسلمين وأن بعضهم يريد لنا الخير ، وقد يتحجج بعلاقات واقعية مع بعضهم حيث لم ير منهم إلا الخير ( وهذا شيء مشاهد)، آمل من فضيلتكم تفنيد هذه الشبهة، وهل يختلف في ذلك عامة الكفار عن علمائهم؟
الجواب
الحمد لله.
قد بين الله تعالى في كتابه أن الكفار يضمرون لنا العداوة ، ولا يقصّرون في إلحاق
الضرر بنا ، ويودّون لنا العنت والمشقة ، وأنهم لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم ، قال
الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ
دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ
الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ
بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ . هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ
تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا
لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ
الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا
بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ
اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) آل
عمران/118- 120 .
وقال تعالى : ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى
تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) البقرة/120 .
قال ابن كثير رحمه الله : " وقوله تعالى : ( لا تتخذوا بطانة من دونكم ) أي من
غيركم من أهل الأديان ، وبطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يطلعون على داخلة أمره "
ثم أورد ما رواه ابن أبي حاتم بسنده عن ابن أبي الدهقانة ، قال : قيل لعمر بن
الخطاب رضي الله عنه : إن ههنا غلاماً من أهل الحيرة حافظ كاتب ، فلو اتخذته كاتباً
، فقال : قد اتخذت إذاً بطانة من دون المؤمنين . قال ابن كثير : " ففي هذا الأثر مع
هذه الآية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة
على المسلمين وإطلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل
الحرب ، ولهذا قال تعالى : ( لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم )
" انتهى من تفسير ابن كثير (1/528).
وقال القرطبي رحمه الله : " نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من
الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء ، يفاوضونهم في الآراء ، ويسندون إليهم
أمورهم ... ثم بين تعالى المعنى الذي لأجله نهى عن المواصلة فقال : ( لا يألونكم
خبالاً ) يقول: فساداً ، يعني لا يتركون الجهد في فسادكم ، يعني أنهم وإن لم
يقاتلوكم في الظاهر فإنهم لا يتركون الجهد في المكر والخديعة ".
ثم قال رحمه الله : " قوله تعالى : ( ها أنتم أولاء تحبونهم ) يعني المنافقين ،
دليله قوله تعالى : ( وإذا لقوكم قالوا آمنا ) قاله أبو العالية ومقاتل . والمحبة
هنا بمعنى المصافاة ، أي أنتم أيها المسلمون تصافونهم ولا يصافونكم لنفاقهم . وقيل
: المعنى تريدون لهم الإسلام وهم يريدون لكم الكفر . وقيل : المراد اليهود ، قاله
الأكثر . والكتاب اسم جنس ، قال ابن عباس : يعني : بالكتب . واليهود يؤمنون بالبعض
، كما قال تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا
ويكفرون بما وراءه ) البقرة/91 .
( وإذا لقوكم قالوا آمنا ) أي بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم . وإذا خلوا فيما بينهم عضوا عليكم الأنامل يعني أطراف الأصابع من الغيظ
والحنق عليكم ، فيقول بعضهم لبعض : ألا ترون إلى هؤلاء ظهروا وكثروا "
انتهى من تفسير القرطبي (4/177) .
وقال الطبري رحمه الله : " يعني بقوله جل ثناؤه : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا
النصارى حتى تتبع ملتهم ) : وليست اليهود يا محمد ، ولا النصارى براضية عنك أبدًا ،
فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم ، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله
به من الحق " انتهى من "تفسير الطبري"
(1/565) .
وبين ربنا سبحانه وتعالى أن كثيرا من أهل الكتاب يودون لنا الكفر ، حسدا وبغيا منهم
، فقال : ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ
إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
البقرة/109 .
قال ابن كثير رحمه الله : " يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طريق الكفار من أهل
الكتاب ، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر ، وما هم مشتملون عليه من الحسد
للمؤمنين ، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم " انتهى .
وقال تعالى في شأن أهل الكفر : ( كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا
يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى
قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ )
التوبة/8 .
فهذا هو حالهم ، يرضون المسلمين بأفواههم ، وأما قلوبهم فإنها تضمر العداوة والشر .
والحاصل أنه إن وجد من الكفار من يظهر المحبة لأهل الإيمان ، فذلك لا يخرج عن ثلاثة
أمور :
الأول : أن يكون ذلك تصنّعا وتظاهرا بما لا حقيقة له ، كما أخبرنا ربنا سبحانه
وتعالى ، وهو الأعلم بنياتهم وقلوبهم .
الثاني : أن يكون ذلك مع من انسلخ من الإسلام ، ووقع في موالاة الكفار ومودتهم ،
فصار منهم ، كما قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ
مِنْهُمْ ) المائدة/51
، ولهذا رضوا عنه وأحبوه .
الثالث : أن يندرج ذلك تحت النادر والقليل ، والنادر لا حكم له ، وقد يكون مرجعه
إلى عدم تمسك الكافر بكفره ، أو عدم مبالاته بالأديان ، كما هو حال جماعات منهم
اليوم .
والذي يجب على كل مسلم أن يحذره ، هو ما حذر منه الله تعالى ، من موالاة الكافرين
ومودتهم ، واتخاذهم بطانة والركون إليهم ، سواء أظهر الكافر المحبة أو العداوة ،
وسواء كان صادقا في محبته أو مخادعا ، فهذا هو الأمر المحكم الذي لا نقاش فيه .
والله أعلم .