هل يجوز طاعة الزوج في عدم رغبته في زيارة الزوجة لبيت أهلها؟
الحمد لله.
لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه ، ولو كان ذلك لزيارة والديها ، وينبغي له أن يأذن لها ، حتى تتمكن من صلة رحمها ، لكن إن منعها من الزيارة لزمها طاعته ، وليس له أن يمنع والديها من زيارتها أو الكلام معها .
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة ، وما ذكرناه هو الراجح من أقوالهم .
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه ليس له أن يمنعها من زيارة والديها .
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن له أن يمنعها ، ويلزمها طاعته ، فلا تخرج إليهما إلا بإذنه ، لكن ليس له أن يمنعها من كلامهما ولا من زيارتهما لها ، إلا أن يخشى ضررا بزيارتهما ، فيمنعهما دفعا للضرر .
قال ابن نجيم (حنفي) : " ولو كان أبوها زمِنا مثلا ، وهو يحتاج إلى خدمتها ، والزوج يمنعها من تعاهده ، فعليها أن تعصيه ، مسلما كان الأب أو كافرا , كذا في فتح القدير . وقد استفيد مما ذكرناه أن لها الخروج إلى زيارة الأبوين والمحارم ، فعلى الصحيح المُفتى به : تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه ، ولزيارة المحارم في كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه " انتهى من "البحر الرائق" (4/212).
وقال في "التاج والإكليل على متن خليل" (مالكي) (5/549) : " وفي العُتْبية : ليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها ، ويُقضى عليه بذلك ، خلافا لابن حبيب . ابن رشد : هذا الخلاف إنما هو للشابة المأمونة , وأما المتجالّة فلا خلاف أنه يُقضى لها بزيارة أبيها وأخيها , وأما الشابة غير المأمونة فلا يقضى لها بالخروج " انتهى .
والمتجالة هي العجوز الفانية التي لا أرب للرجال فيها . "الموسوعة الفقهية" (29/294).
وقال ابن حجر المكي (شافعي) : " وإذا اضطرت امرأة للخروج لزيارة والدٍ ، أو حمام ، خرجت بإذن زوجها غير متبهرجة ، في مِلْحفة وثياب بذلة ، وتغض طرفها في مشيتها ، ولا تنظر يمينا ولا شمالا ، وإلا كانت عاصية " انتهى من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/78).
وقال في "أسنى المطالب" (شافعي) (3/239) : " وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها ، والأولى خلافه " انتهى .
وقال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة : " طاعة زوجها أوجب عليها من أمها ، إلا أن يأذن لها " انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (3/47).
وقال في الإنصاف (حنبلي) (8/362) : " لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها , ولا زيارةٍ ونحوها . بل طاعة زوجها أحق ".
وسئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء" : " ما حكم خروج المرأة من بيت زوجها من غير إذنه ، والمكث في بيت أبيها من غير إذن زوجها ، وإيثار طاعة والدها على طاعة زوجها ؟
ج : لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه ، لا لوالديها ولا لغيرهم ؛ لأن ذلك من حقوقه عليها ، إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي يضطرها للخروج " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/165).
ومما يدل على اشتراط إذن الزوج في زيارة الأبوين : ما جاء في الصحيحين في قصة الإفك ، وقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : " أتأذن لي أن آتي أبوي ". البخاري (4141) ومسلم (2770).
قال العراقي في "طرح التثريب" (8/58) : " وقولها : أتأذن لي أن آتي أبوي : فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها ، بخلاف ذهابها لحاجة الإنسان فلا تحتاج فيه إلى إذنه ، كما وقع في هذا الحديث " انتهى.
ومع ذلك فإن الأولى للزوج أن يسمح لزوجته بزيارة والديها ومحارمها ، وألا يمنعها من ذلك إلا عند تحقق الضرر بزيارة أحدهم ، لما في منعها من قطيعة الرحم ، وربما حملها عدم إذنه على مخالفته ، ولما في زيارة أهلها وأرحامها من تطييب خاطرها ، وإدخال السرور عليها ، وعلى أولادها ، وكل ذلك يعود بالنفع على الزوج والأسرة .
والله أعلم .