أثر شيخ الإسلام ابن تيمية في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
هل الشيخ ابن تيميه رحمه الله شيخ الإسلام هل كانت له علاقة بالحركة الوهابية ؟
الجواب
الحمد لله.
الحمد
لِلَّه
أولا :
لا بد من التنبيه بداية على أن إطلاق اسم "الوهابية" على دعوة الإمام محمد بن عبد
الوهاب إنما بدأه أعداء هذه الدعوة بقصد التنفير عنها وتحذير الناس منها ، يحاولون
إظهارها مظهر الدعوة المنفردة بآرائها الشاذة ، المتحيزة إلى أفكار إمامها ،
المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/255) :
" الوهابية : لفظة يطلقها خصوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله على دعوته إلى
تجريد التوحيد من الشركيات ونبذ جميع الطرق إلا طريق محمد بن عبد الله صلى الله
عليه وسلم ، ومرادهم من ذلك : تنفير الناس من دعوته ، وصدهم عما دعا إليه ، ولكن لم
يضرها ذلك ، بل زادها انتشارًا في الآفاق وشوقًا إليها ممن وفقهم الله إلى زيادة
البحث عن ماهية الدعوة وما ترمي إليه وما تستند عليه من أدلة الكتاب والسنة الصحيحة
، فاشتد تمسكهم بها ، وعضوا عليها ، وأخذوا يدعون الناس إليها ولله الحمد " انتهى .
ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله "البيان لأخطاء بعض الكتاب" (70) :
" فهذه التسمية خطأ من ناحية اللفظ ، ومن ناحية المعنى :
أما الخطأ من ناحية اللفظ ، فلأن الدعوة لم تنسب في هذا اللقب إلى من قام بها - وهو
الشيخ محمد - ، وإنما نسبت إلى عبد الوهاب - الذي ليس له أي مجهود فيها - ، فهي
نسبة على غير القياس العربي ، إذ النسبة الصحيحة أن يقال : ( الدعوة المحمدية ) .
لكن الخصوم أدركوا أن هذه النسبة نسبة حسنة لا تنفر عنها ، فاستبدلوها بتلك النسبة
المزيفة.
وأما الخطأ من ناحية المعنى ، فلأن هذه الدعوة لم تخرج عن منهج مذهب السلف الصالح
من الصحابة والتابعين وأتباعهم ، فكان الواجب أن يقال : الدعوة السلفية ؛ لأن
القائم بها لم يبتدع فيها ما نسب إليه كما ابتدع دعاة النحل الضالة من الإسماعيلية
والقرمطية ، إذ هذه النحل الضالة لو سميت سلفية لأبى الناس والتاريخ هذه التسمية ؛
لأنها خارجة عن مذهب السلف ، ابتدعتها من قام بها .
فالنسبة الصحيحة لفظًا ومعنى لدعوة الشيخ محمد عبد الوهاب أن يقال " الدعوة
المحمدية " ، أو " الدعوة السلفية " .
لكن لما كانت هذه النسبة تغيظ الأعداء حرفوها ، ولذلك لم تكن الوهابية معروفة عند
أتباع الشيخ ، وإنما ينبزهم بها خصومهم ، بل ينبزون بها كل من دان بمذهب السلف ،
حتى ولو كان في الهند أو مصر وإفريقية وغيرها ، والخصوم يريدون بهذا اللقب عزل
الدعوة عن المنهج السليم , فقد أخرجوها من المذاهب الأربعة , وعدُّوها مذهبًا
خامسًا ( حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ
) " انتهى .
ثانيا :
كانت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر امتدادا لدعوة شيخ
الإسلام ابن تيمية التي ظهرت في القرنين السابع والثامن .
وقد تأثر بها الإمام لموافقتها أصول الإسلام في العقائد والأحكام ، ومن هذه الأصول
:
1- اعتماد القرآن الكريم والسنة الصحيحة مصادر التشريع الأولى .
2- الحرص على التمسك بمنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة
وغيرهم .
3- الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك .
4- إثبات ما أثبته الله لنفسه ونفي ما نفاه عن نفسه في باب الأسماء والصفات .
5- نبذ التعصب للأئمة المتبوعين والدعوة إلى اتباع الحق بالدليل .
6- الدعوة إلى السنة ومحاربة البدعة .
وقد كان الكتاب هو حلقة الوصل بين الإمامين ، فقد اعتنى الإمام محمد بن عبد الوهاب
بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم اعتناء بالغا .
يقول عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ "مشاهير علماء نجد وغيرهم" (18) :
" وقد كتب بخط يده كثيرا من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية ، لا يزال بعضها موجودا
بالمتحف البريطاني بلندن " انتهى .
ولقد أبرز الكتاب المسلمون وغيرهم من المستشرقين في كتاباتهم صلةَ الإمام ابن عبد
الوهاب بدعوة شيخ الإسلام بأهمية بالغة .
ذكر العلامة الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي في كتابه "الشيخ محمد بن عبد الوهاب"
تصريحات كثير منهم :
قال عبد المتعال الصعيدي في كتابه "المجددون في الإسلام" :
" ..أخذ يدعو مثل ما دعا إليه ابن تيمية قبله ، من التوحيد بالعبادة لله وحده "
وقال الأمير شكيب أرسلان في الجزء الرابع من "حاضر العالم الإسلامي" تحت عنوان : "تاريخ
نجد الحديث" :
" وتَشَرَّبَ مبادئ الحافظ حجة الإسلام ابن تيمية .. وأخذ يفكر في إعادة الإسلام
لنقاوته الأولى.. ولا أظنه أورد ثمة شيئا غير ما أورده ابن تيمية " انتهى .
وقال حافظ وهبة في كتابه "جزيرة العرب" :
" وتكاد تكون تعاليمهم مطابقة تمام المطابقة لما كتبه ابن تيمية وتلاميذه في كتبهم
، وإن كانوا يخالفونهم في مسائل معدودة في فروع الدين " انتهى .
وقال منهج هارون في الرد على الكاتب الإنجليلزي ( كونت ويلز ) :
" ..كل ما قاله الشيخ ابن عبد الوهاب قال به غيره ممن سبقه من الأئمة والأعلام ومن
الصحابة الكرام ، ولم يخرج في شيء عما قاله الإمام أحمد وابن تيمية رحمهما الله "
انتهى .
وقال محمد ضياء الدين الريس :
" ..وابن تيمية هو الأستاذ المباشر لابن عبد الوهاب ، وإن فصل بينهما أربعة قرون ،
فقد قرأ كتبه ، وتأثر كل التأثر بتعاليمه " انتهى .
وقال بروكلمان في "تاريخ الشعوب الإسلامية" :
" وفي بغداد درس محمد فقه أحمد بن حنبل ..ثم إنه درس مؤلفات أحمد ابن تيمية الذي
كان قد أحيا في القرن الرابع عشر [ يقصد الميلادي ] تعاليم ابن حنبل ، والواقع أن
دراسته لآراء هذين الإمامين انتهت به إلى الإيقان من أن الإسلام في شكله السائد في
عصره ، وبخاصة بين الأتراك ، شُرِّبَ بالمساوئ التي لا تمت إلى الدين الصحيح بنسب "
انتهى .
وقال أحمد أمين :
" ...اقتفى في دعوته وتعاليمه عالما كبيرا ظهر في القرن السابع الهجري في عهد
السلطان الناصر ، هو ابن تيمية...وهو كان يقول بالاجتهاد ، وكان حر التفكير في حدود
الكتاب والسنة..فيظهر أن محمد بن عبد الوهاب عرف ابن تيمية..فكان إمامه ، ومرشده ،
وباعث تفكيره ، والموحي إليه بالاجتهاد ، والدعوة إلى الإصلاح " انتهى .
انظر "أثر دعوة شيخ
الإسلام ابن تيمية في الحركات الإسلامية المعاصرة" (1/136-138) لصلاح الدين مقبول ،
ومنه استفدت هذه النقول .
ثالثا :
ولكن ، ومع هذه الصلة القوية بين فكر الإمامين ، إلا أن الإمام محمد بن عبد الوهاب
كان متبعا للدليل ولم يكن مقلدا للأشخاص ، فقد كان يدرك أن شيخ الإسلام ابن تيمية
أحد أئمة الإسلام العظام ، إلا أن الخطأ جائز على جميع البشر ، ويدرك أن ابن تيمية
رحمه الله لم يكن مستحدثا لدعوة مبتدعة غريبة عن الإسلام ، إنما كان متبعا نهج
السلف الصالحين ، والاتِّبَاعُ يجب أن يكون للدليل وما أجمعت عليه الأئمة ، ولا
ينبغي أن يقدس الإمام مهما بلغت رتبته في العلم ، بل كلٌّ يُؤخَذُ من قوله ويرد إلا
النبي صلى الله عليه وسلم .
يقول الشيخ الفوزان حفظه الله في "البيان بالدليل" (150) في الرد على دعوى أن الشيخ
محمد بن عبد الوهاب لم يكن إلا نسخة مكررة من ابن تيمية :
" هكذا قال عن مرتبة الشيخ محمد بن عبد الوهاب العلمية : أنه لم يدرس إلا مؤلفات
ابن تيمية ! وكأنه لم يقرأ ترجمة الشيخ وسيرته ، ولم يعرف شيئا عن تحصيله العلمي ،
أو أنه عرف ذلك وكتمه بقصد التقليل من شأنه ، والتغرير بمن لم يعرف شيئا عن الشيخ .
ولكن هذا لا يستر الحقيقة ، ولا يحجب الشمس في رابعة النهار ، فقد كتب المنصفون عن
الشيخ - رحمه الله - مؤلفات كثيرة انتشرت في الأقطار ، وعرفها الخاص والعام ، وأنه
- رحمه الله - تعمق في دراسة الفقه والحديث والأصول وكتب العقيدة التي من جملتها
مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وقد تخرج على أيدي علماء أفذاذ
وأئمة كبار في مختلف الفنون في بلاد نجد والحجاز والإحساء والبصرة ، وقد أجازوه في
مروياتهم وعلومهم ، وقد ناظر ودرس وأفتى وألف في الفقه والحديث والعقيدة حتى نال
إعجاب من اجتمع به أو استمع إلى دروسه ومناظراته ، أو قرأ شيئا من مؤلفاته ،
ومؤلفاته تدل على سعة أفقه وإدراكه في علوم الشريعة ، وسعة اطلاعه وفهمه ، ولم
يقتصر فيما ذكر في تلك المؤلفات على كتب ابن تيمية - كما يظن الجاهل أو المتجاهل -
بل كان ينقل آراء الأئمة الكبار في الفقه والتفسير والحديث ؛ مما يدل على تبحره في
العلوم ، وعمق فهمه ، ونافذ بصيرته ، وها هي كتبه المطبوعه المتداولة شاهد بذلك
والحمد لله ، ولم يكن رحمه الله يأخذ من آراء شيخ الإسلام ابن تيمية ولا من آراء
غيره إلا ما ترجح لديه بالدليل ، بل لقد خالف شيخ الإسلام في بعض الآراء الفقهية "
انتهى .
وللفائدة يرجى مراجعة جواب السؤال رقم : (36616)
، (10867) ، (12203)