لدينا في القرية جامع بناؤه قديم وتمت الصلاة فيه لأكثر من عام ، ولكن قبل فترة عندما قامت الأوقاف بالكشف على الجامع اتضح أن المسجد منحرف عن اتجاه القبلة ما يعادل 17 درجة ، فانقسم أهل القرية إلى قسمين منهم من قال إنه يجب وضع خيط لتعديل اتجاه القبلة ، ومنهم من قال بأن ما بين المشرق والمغرب قبلة والانحراف قليل وتصح الصلاة بدون تشويه صفوف المصلين ، فما رأيكم ؟ وهل يجوز الصلاة خلف الإمام ونحن منحرفون بمقدار 17 درجة ؟ ثم هل يجوز هجر المسجد وهل يجوز تخطي المساجد ؟ نريد الإجابة بتفصيل وبشكل قاطع لأن أهل البلدة معتمدون على الله ثم على فضيلتكم بالإفتاء القاطع ، وسوف نعلق الفتوى في المسجد لحل الخلاف بين الفريقين .
الحمد لله.
أولا :
استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة ؛ لقوله تعالى : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) البقرة/144 .
وفرض القريب من الكعبة أن يستقبل عينها ، وأما البعيد عنها ففرضه أن يستقبل جهتها ، عند جمهور العلماء .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" : " استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة , ولا فرق بين الفريضة والنافلة . . .
والواجب على من بَعُد من مكة طلب جهة الكعبة , دون إصابة العين .
قال أحمد : ما بين المشرق والمغرب قبلة , فإن انحرف عن القبلة قليلا لم يُعِدْ , ولكن يتحرى الوسط . وبهذا قال أبو حنيفة . . . لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) رواه الترمذي " انتهى باختصار .
وفي كلام الإمام أحمد رحمه الله المتقدم فائدتان :
الأولى : تتعلق بصلاتكم الماضية ، فهي صحيحة ولا يلزمكم إعادتها .
الثانية : تتعلق بصلاتكم في المستقبل ، فعليكم تعديل الصفوف ، ولا ينبغي لكم تعمد الانحراف عن القبلة .
وهذا هو قول جمهور العلماء ، أما الإمام الشافعي رحمه الله فقد ذهب إلى أنه يجب إصابة عين الكعبة حتى على البعيد ، وتبطل الصلاة عنده بمثل هذا الانحراف عن القبلة .
وانظر : "المجموع" (3/208) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " استقبال القبلة يكون إما إلى عين القبلة وهي الكعبة ، وإما إلى جهتها. فإن كان الإنسان قريبا من الكعبة يمكنه مشاهدتها ففرضه أن يستقبل عين الكعبة لأنها هي الأصل. وأما إذا كان بعيدا لا يمكنه مشاهدة الكعبة فإن الواجب عليه أن يستقبل الجهة ، وكلما بعد الإنسان عن مكة كانت الجهة في حقه أوسع ، لأن الدائرة كلما تباعدت اتسعت ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) هذا بالنسبة لأهل المدينة ، وذكر أهل العلم رحمهم الله أن الانحراف اليسير في الجهة لا يضر.
والجهات معروف أنها أربع : الشمال والجنوب والشرق والغرب ، فإذا كان الإنسان عن الكعبة شرقا أو غربا كانت القبلة في حقه ما بين الشمال والجنوب ، وإذا كان عن الكعبة شمالا أو جنوبا صارت القبلة في حقه ما بين المشرق والمغرب لأن الواجب استقبال الجهة... " انتهى من "فقه العبادات" ص (154).
ثانياً :
لا حرج في وضع خيط ونحوه ليستقيم الصف على اتجاه القبلة ، وهذا أولى من الصلاة مع الانحراف .
ثالثاً :
الأفضل أن يصلي الإنسان في مسجد حيه أو المسجد القريب من بيته ، ولا يتخطاه إلى غيره من المساجد إلا لسبب شرعي ، والمرجو من القائمين على المسجد أن يقوموا بتعديل الصفوف وعدم الانحراف عن القبلة يميناً أو شمالاً ، احتياطاً للصلاة ، فإن بعض الأئمة كما سبق يبطل الصلاة بمثل هذا الانحراف .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وجمع كلمتهم على البر والتقوى .
والله أعلم .