إذا دعا المسلم فهل يبدأ بالدعاء لنفسه أم لغيره ؟
ما الواجب على المرء في دعائه ، هل يبدأ بالدعاء لنفسه أم للمؤمنين أولى ، حيث يلاحظ في الأدعية المذكورة في كتاب الله العزيز البدء بالنفس ثم الغير ، كما في الآية الكريمة : ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) صدق الله مولانا العظيم .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
اعتياد ختم قراءة الآية أو الآيات من القرآن بقوله " صدق الله العظيم " ليس له أصل
في السنة ، وقد بيَّنا حكم هذه المسألة في جوابي السؤالين : (2209)
و (10119) .
ثانياً:
يستحب للمسلم أن يقدم نفسه على غيره في الدعاء ، وفي ذلك أدلة ، منها :
1. عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( َإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ
لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ
الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ
صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ) .
رواه البخاري ( 797 ) ومسلم ( 402 )
.
قالَ الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - :
قوله ( السلام علينا ) استُدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء ، وفي
الترمذي مصححا من حديث أبي بن كعب ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر
أحداً فدعا له بدأ بنفسه ) ، وأصله في مسلم ، ومنه قول نوح وإبراهيم عليهما السلام
، كما في التنزيل ." فتح الباري " ( 2 / 314
) .
2. حديث ابن عباس الطويل في قصة موسى والخضر عليهما السلام – وهو الذي أشار إليه
الحافظ أنه في الترمذي وأصله في " مسلم " - ، وفيه :
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ قَالَ فَانْطَلَقَ إِلَى
أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ فَذُعِرَ عِنْدَهَا مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَام ذَعْرَةً مُنْكَرَةً قَالَ : أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ
نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ هَذَا الْمَكَانِ : رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى
مُوسَى ، لَوْلَا أَنَّهُ عَجَّلَ لَرَأَى الْعَجَبَ ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ مِنْ
صَاحِبِهِ ذَمَامَةٌ ، قَالَ : إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا
تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ، وَلَوْ صَبَرَ لَرَأَى
الْعَجَبَ ، قَالَ : وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَداً مِنْ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ
بِنَفْسِهِ " رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي " .
ذمامة : أي : حياء وإشفاق من الذم واللوم ؛ لتكرار مخالفته للخضر .
قال النووي – رحمه الله - :
قال أصحابنا : فيه استحباب ابتداء الإنسان بنفسه في الدعاء ، وشبهه من أمور الآخرة
، وأما حظوظ الدنيا : فالأدب فيها الإيثار ، وتقديم غيره على نفسه .
" شرح مسلم " ( 15 / 144 )
.
وقال السيوطي – رحمه الله - :
ومن ثم ندبوا للداعي أن يبدأ بالدعاء لنفسه قبل دعائه لغيره ؛ فإنه أقرب إلى
الإجابة ، إذ هو أخلص في الاضطرار ، وأدخل في العبودية ، وأبلغ في الافتقار ، وأبعد
عن الزهو والإعجاب ، وذلك سنة الأنبياء والرسل ... – وساق بعض أدعيتهم ، وستأتي - .
" الشمائل الشريفة " ( ص 139 ) .
3. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ : ( السَّلَامُ
عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَنْتُمْ
سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ ) .
رواه الترمذي ( 1053 ) وَقَالَ : حَسَن غريب
، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال الإمام الصنعاني – رحمه الله –
في فوائد هذا الحديث ورواية أخرى قريبة من لفظه - :
وفي الحديثين الأول وهذا : دليل أنَّ الإنسان إذا دعا لأحد أو استغفر له يبدأ
بالدعاء لنفسه والاستغفار لها ، وعليه وردت الأدعية القرآنية : ( رَبَّنَا اغْفِرْ
لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا ) ، ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) ، وغير
ذلك .
" سبل السلام " ( 2 / 243 ) .
4. وهذا الفعل هو من هدي الأنبياء
عليهم السلام ، ومنهم :
أ. نبي الله موسى عليه السلام :
( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) الأعراف/151
.
ب. نبي الله نوح عليه السلام :
( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً )
نوح/28
.
ج. نبيَّا الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام :
( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً
مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
البقرة/128، 129 .
د. نبي الله إبراهيم عليه السلام :
1. ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ
دُعَاءِ . رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ
الْحِسَابُ ) إبراهيم/ 40 ، 41
.
2. ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي
وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ )
إبراهيم/ 35 .
5. وهو فعل المؤمنين :
( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي
قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )
الحشر/ 10
.
والله أعلم