حكم بيع المجسمات الأثرية
ما حكم الإسلام في بيع المجسمات الأثرية المسماة بالتحف (تماثيل كاملة ورؤوس تماثيل وأبدان بلا رؤوس) ؟
حيث إنني أستطيع أن أزاول تجارة الأثريات بكل أشكالها مع ذوى الاختصاص بدراسة التاريخ والآثار القديمة والمتاحف العالمية وغيرها وذلك لغاية الدراسة والبحث العلمي والتاريخي .
وظروفي المادية والاجتماعية صعبة ، ولكني أردت أن أتأكد من حكم الشرع قبل أن أتاجر فيها ، وأعلم أن حكم الحلال والحرام ثابت في الفقر والغنى .
الجواب
الحمد لله.
لا يجوز صناعة التماثيل والمجسمات لذوات الأرواح ، من الإنسان أو الطير أو الحيوان
، لما ورد في ذلك من الوعيد الشديد ، وقد سبق بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم (7222
)
وما حرمت صناعته ، فلا يجوز بيعه لأن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه .
روى أحمد (2678) عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ
فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ
أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ ) والحديث
صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند ، وأصله في الصحيحين
.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : هل يجوز للمسلم أن يبيع التماثيل ، ويجعلها
بضاعة له ، ويعيش من ذلك ؟
فأجاب : " لا يجوز للمسلم أن يبيع أو يتجر فيها ، لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من
تحريم تصوير ذوات الأرواح ، وإقامة التماثيل لها مطلقا ، والإبقاء عليها . ولاشك أن
في الاتجار فيها ترويجاً لها ، وإعانةً على تصويرها وإقامتها بالبيوت والأندية
ونحوها .
وإذا كان ذلك محرما ، فالكسب من إنشائها وبيعها حرام ، لا يجوز للمسلم أن يعيش منه
بأكل أو كسوة أو نحو ذلك ، وعليه إن وقع في ذلك أن يتخلص منه ، ويتوب إلى الله
تعالى ، عسى الله أن يتوب عليه ، قال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ
وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى )
طه/82
، وقد صدرت منا فتوى في تحريم تصوير ذوات الأرواح مطلقا ، صورا مجسمة أو غير مجسمة
، بنحت أو نسخ ، أو صبغ أو بآلة التصوير الحديثة " كوداك "
" انتهى من "الجواب المفيد في حكم التصوير" لسماحة
الشيخ ابن باز ص 49-50 .
وأما ما أزيل رأسه ، فلا يعد صورة محرمة ، ولا حرج في اقتنائه ، وبيعه إن كان ينتفع
به ، بشرط ألا يستعان به على محرم ، كأن يكون جزءا من تمثال يعبد أو يتبرك به ونحو
ذلك .
وقد دل على إباحة ما قطع رأسه من الصور ، ما رواه الترمذي (2806) عن أَبي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ : إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ
فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ
إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ ، وَكَانَ فِي
الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ ،
فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالْبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُصَيَّرْ
كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيُجْعَلْ مِنْهُ
وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ يُوطَآَنِ ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ ،
فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ ذَلِكَ
الْكَلْبُ جَرْوًا لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ فَأَمَرَ بِهِ
فَأُخْرِجَ ) والحديث صححه الألباني في صحيح
الترمذي .
ورواه النسائي (5365) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : اسْتَأْذَنَ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ : ادْخُلْ فَقَالَ كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ
؟ فَإِمَّا أَنْ تُقْطَعَ رُءُوسُهَا أَوْ تُجْعَلَ بِسَاطًا يُوطَأُ فَإِنَّا
مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ .
وصححه الألباني في صحيح النسائي
.
وروى الإسماعيلي في معجمه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : ( الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فلا صورة )
وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3864)
.
وبناء على ما سبق فلا يجوز لك الاتجار في المجسمات الأثرية المصورة على صور ذوات
الأرواح ، إلا أن تكون مقطوعة الرؤوس ، وقد أحسنت في السؤال عن حكم العمل قبل أن
تقدم عليه .
واعلم أن خزائن الله تعالى ملأى ، ورزقه واسع ، وعطاءه لا حدّ له ، وقد وعد أهل
طاعته بالرزق الحسن فقال : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ
حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ
قَدْراً ) الطلاق/2، 3
.
وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97
.
فما عليك إلا أن تبذل الأسباب ، وتستعين بالله تعالى ، وتبحث عن العمل المباح ، ثم
أبشر بالخير والرزق الحسن .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .