نشيد الفتيات البالغات
هل يجوز تنشيد الفتيات من سن 14 فما فوق أناشيد للأطفال ؟
الجواب
الحمد لله.
لا حرج على الفتاة البالغة وغيرها الغناء أو النشيد للأطفال الصغار ، لأن الأصل في
العادات الإباحة ، ولم يرد نهي عن ذلك ، ولوجود المصلحة والمنفعة حين يكون لأناشيد
الأطفال الأثر البالغ في الرعاية والعناية والتربية ، حيث تمنحه دفء المحبة والحنان
الذي يحتاجه الطفل في صغره ، كما يكون لكلماتها الطيبة اللطيفة أثر في شخصيته
ونفسيته ، إذ يمكن أن تزرع في نفسه قوة الشجاعة والثقة بالنفس والتشجيع ، وتدفع في
قلبه الأمل والإقبال على النجاح والعمل ، وتنمي فيه خصال الصلاح والخير . وذلك كله
إذا أحسنت المرأة اختيار الكلمات التي تغنيها للأطفال .
ولا مفسدة في هذا الغناء – من حيث الأصل - ، وإذا كان للمرأة أن تبدي ما يظهر من
زينتها للطفل الذي لا يدرك معنى " عورات النساء " ، فمن باب أولى أن يجوز لها بذل
صوتها بالغناء والنشيد للأطفال .
وفي نصوص الفقهاء شيء قريب من هذا التقرير :
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/538) في معرض تعداد أنواع من الغناء
المباح : " ومنه غناء المرأة لتسكين الولد في المهد "
انتهى
.
ويقول الأذرعي – من فقهاء الشافعية - : " وأما ما اعتيد عند محاولة عمل وحمل ثقيل ،
كحداء الأعراب لإبلهم ، وغناء النساء لتسكين صغارهم ، فلا شك في جوازه ، بل ربما
يندب إذا نشَّط على سير أو رغَّب في خير ، كالحداء في الحج والغزو ، وعلى نحو هذا
يحمل ما جاء عن بعض الصحابة ." انتهى . نقلا
عن "تحفة المحتاج" (10/219)
ولكن لا بد من الانتباه إلى بعض الضوابط والشروط التي تقيد ما سبق تقريره :
1- يجب أن تخلو هذه الأناشيد من أدوات العزف ، فالمعازف من المحرمات ، ولا يجوز
استباحة سماعها وتربية الأطفال على نغماتها وألحانها .
وانظر في تحريم الموسيقى أجوبة الأرقام (5000)
، (5011) ، (43736)
، (96219)
2- ولا يجوز أن تغني الفتاة البالغة أو تنشد للأطفال بحضرة الرجال الأجانب ؛ فضلا
عن تسجيل ذلك وحفظه بالوسائل المعروفة حديثا ، ونشره بين الناس ، لأنه إن جاز للطفل
استماع غناء المرأة ، فلا يجوز للرجل الأجنبي استماعه ، ولا يجوز للمرأة أن تتساهل
في ذلك ، فقد حذر الله سبحانه وتعالى أطهر النساء وأعف الزوجات زوجات النبي صلى
الله عليه وسلم عن الخضوع في القول فقال : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ
كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ
فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً )
الأحزاب/32
، وإذا تذكرنا أن هذا النهي عن الخضوع في القول كان في زمن خير البشر بعد الرسل
والأنبياء وهم الصحابة رضوان الله عليهم ، فكيف هو الحكم في زماننا الذي كثر فيه
الفساد والانحراف . يقول القرطبي في تفسير هذه الآية "الجامع لأحكام القرآن"
(14/177) :
" أي : لا تلن القول . أمرهن الله أن يكون قولهن جزلا وكلامهن فصلا ، ولا يكون على
وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين ، كما كانت الحال عليه في نساء
العرب من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه ، مثل كلام المريبات والمومسات . فنهاهن
عن مثل هذا . قوله تعالى : ( وقلن قولا معروفا ) قال ابن عباس : أمرهن بالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر . والمرأة تندب إذا خاطبت الاجانب وكذا المحرمات عليها
بالمصاهرة إلى الغلظة في القول ، من غير رفع صوت ، فإن المرأة مأمورة بخفض الكلام .
وعلى الجملة فالقول المعروف : هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس ."
انتهى
.
وانظر جواب السؤال رقم (11563)
وبهذا يتبين خطأ ما ينتشر اليوم في بعض الفضائيات من غناء ونشيد تقوم به بعض
الفتيات البالغات بزعم أنه موجه للأطفال ، فإن عرض مثل ذلك على الملأ دعوة لاستماعه
والفتنة بجمال الصوت واللحن ، وفي ذلك خروج عن الضوابط التي سبق ذكرها ، فلا يجوز
لمن يعمل في هذه الجهات أن ينشر أو يبيع أو يصدر تسجيلا لفتاة بالغة تنشد وتغني –
ولو كانت كلمات نشيدها صالحة طيبة - ، إذ في ذلك مخالفة لما أمر الله تعالى به
النساء من عدم الخضوع في القول ، وأي خضوع أعظم من خضوع النشيد والغناء ، وما فيه
من التليين والتمطيط والترقيق كاف في التأثير في قلب كل مستمع ، وغالبا ما يؤدي مثل
هذا التساهل إلى تساهل أخطر ، فينتقل الأمر إلى النشيد والغناء للرجال البالغين
وبحضورهم !!
على أننا نشير هنا أيضا إلى أن ما ذكرناه من التخفيف في التستر على الأطفال ، إنما
هو في حق الطفل الصغير الذي لا يميز مفاتن المرأة ، ولا ينتبه إلى ذلك منها ، كما
قال الله تعالى في وصفهم : ( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى
عَوْرَاتِ النِّسَاءِ )(النور: 31)
.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله ـ في تفسيره (566) ـ :
" أي: الأطفال الذين دون التمييز، فإنه يجوز نظرهم للنساء الأجانب، وعلل تعالى ذلك،
بأنهم لم يظهروا على عورات النساء، أي: ليس لهم علم بذلك، ولا وجدت فيهم الشهوة بعد
ودل هذا، أن المميز تستتر منه المرأة، لأنه يظهر على عورات النساء "
انتهى
.
وقال ابن العربي رحمه الله ـ في أحكام القرآن (3/1375) :
" وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ سَتْرِ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ
مِنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَلْزَمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ
عَلَيْهِ ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَالْآخَرُ : يَلْزَمُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَهِي ، وَقَدْ تَشْتَهِي هِيَ أَيْضًا
؛ فَإِنْ رَاهَقَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي وُجُوبِ السَّتْرِ وَلُزُومِ
الْحِجْبة " انتهى
.
ولن يعدم من يقوم بمثل ذلك من حجج موهومة وأعذار واهنة ، فيقول بعضهم : ألم تغن
الجواري في منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد ؟ وقد أقرهما النبي صلى الله
عليه وسلم وأمر أبا بكر بالسماح لهما في الغناء ؟
فالجواب أن يقال : إن الحق أحق أن يتبع ، وليس في شريعتنا إلا التحذير من إظهار
الفتيات البالغات مفاتنهن على الملأ ، ومن ذلك الصوت الجميل المرقق ، أما هذا
الحديث الذي ذكرتم ، فهو حديث صحيح يرويه البخاري (987) ومسلم (892) عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ :
( دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ
تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ ، قَالَتْ :
وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَبِمَزْمُورِ
الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟!
وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ! إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا )
إلا أن العلماء يقولون في تفسيره إنهن جاريتان صغيرتان لم تبلغا سن البلوغ ، فهما
غير مكلفتين .
يقول القرطبي في "المفهم لما أشكل من صحيح مسلم" (8/10) :
" الجارية في النساء كالغلام في الرجال ، وهما يقالان على من دون البلوغ منهما "
انتهى
.
ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" (1/257) :
" فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان ،
وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين ، تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب
بعاث من الشجاعة والحرب ، وكان اليوم يوم عيد .
فتوسع حزب الشيطان في ذلك : إلى صوت امرأة جميلة أجنبية ، أو صبي أمرد صوته فتنة ،
وصورته فتنة ، يغني بما يدعو إلى الزنى والفجور وشرب الخمور ، مع آلات اللهو التي
حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث ، مع التصفيق والرقص ، وتلك
الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد من أهل الأديان ، فضلا عن أهل العلم والإيمان ،
ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين بنشيد الأعراب ونحوه ، في الشجاعة ونحوها ، في
يوم عيد ، بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق ، ويدَعون المحكم الصريح لهذا
المتشابه ، وهذا شأن كل مبطل . نعم نحن لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه ، وإنما نحرم ـ نحن وسائر أهل العلم
والإيمان ـ السماع المخالف لذلك " انتهى
.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/202) :
" صوت المرأة نفسه ليس بعورة ، لا يحرم سماعه إلا إذا كان فيه تكسر في الحديث ،
وخضوع في القول ، فيحرم منها ذلك لغير زوجها ، ويحرم على الرجال سوى زوجها استماعه
؛ لقوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ
اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ
مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا )
الأحزاب/32 " انتهى .
ويمكن الاستغناء عن نشيد الفتيات البالغات – إذا بقيت الحاجة لنشر النشيد على
القنوات الفضائية - بنشيد الأطفال أنفسهم ، ينشد بعضهم لبعض ، فيؤخذ من أصواتهم
الجميلة ما يقوم مقام نشيد النساء ، فيتحقق المقصود وينتفي المحذور إن شاء الله
تعالى .
والخلاصة أنه لا حرج على الفتاة البالغة من الغناء والنشيد للأطفال بثلاثة شروط :
1- أن تكون كلمات الغناء والنشيد كلمات مباحة أو كلمات خير وصلاح .
2- ألا يصحب ذلك شيء من أدوات العزف إلا الدفوف .
3- ألا يكون ذلك بحضرة الرجال الأجانب ، ولا ينشر شيء من ذلك نشرا عاما ، من خلال
الفضائيات ونحوها .
ولمعرفة حد البلوغ ينظر جواب السؤال رقم (21246)
، (70425)
والله أعلم .