حديث موضوع في ذكر سبب تشريع الصلوات الخمس
ما مدى صحة هذا الحديث :
روي عن علي رضي الله عنه قال : ( بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالسا بين الأنصار والمهاجرين ، أتى إليه جماعة من اليهود ، فقالوا له : يا محمد ! إنا نسألك عن كلمات أعطاهن الله تعالى لموسى بن عمران ، لا يعطيها إلا لنبي مرسل أو لملك مقرب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سلوا . فقالوا : يا محمد ! أخبرنا عن هذه الصلوات الخمس التي افترضها الله على أمتك ؟
فقال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام :
صلاة الفجر : فإن الشمس إذا طلعت تطلع بين قرني الشيطان ، ويسجد لها كل كافر من دون الله ، فما من مؤمن يصلي صلاة الفجر أربعين يوما في جماعة إلا أعطاه الله براءتين ، براءة من النار وبراءة النفاق . قالوا : صدقت يا محمد !
أما صلاة الظهر : فإنها الساعة التي تسعر فيها جهنم ، فما من مؤمن يصلي هذه الصلاة إلا حرم الله تعالى عليه لفحات جهنم يوم القيامة .
أما صلاة العصر : فإنها الساعة التي أكل فيها آدم عليه السلام من الشجرة ، فما مؤمن يصلي هذه الصلاة إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
وأما صلاة المغرب : فإنها الساعة التي تاب فيها الله تعالى على آدم عليه السلام ، فما من مؤمن يصلي هذه الصلاة محتسبا ثم يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه .
وأما صلاة العشاء : فإن للقبر ظلمة ، ويوم القيامة ظلمة ، فما من مؤمن مشى في ظلمة الليل إلى صلاة العتمة إلا حرم الله عليه وقود النار ، ويعطى نورا يجوز به على الصراط ، فإنها الصلاة التي صلاها المرسلون قبلي ، ثم تلا قوله تعالى : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى )
وجزاكم الله كل خير عنا .
الجواب
الحمد لله.
بعد النظر والبحث في هذا الحديث تبين أنه مكذوب موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم
، ولا تصح نسبته إليه بحال من الأحوال ، وعلى ذلك مجموعة من الأدلة :
1- لم نجد هذا الحديث في شيء من الكتب المسندة ، وإنما يتناقله من يرويه من الناس
من غير إسناد ، ومن المعلوم من شريعتنا وجوب رد كل حديث لم يذكره علماء الحديث
بإسناده الصحيح .
2- ومن أمارات الوضع الظاهرة أننا وقفنا على الحديث مذكورا في كتاب أبي الليث
السمرقندي ، المتوفى سنة (375هـ) ، واسم كتابه هو "تنبيه الغافلين بأحاديث سيد
الأنبياء والمرسلين" في (ص/264-265) وقد نص أهل العلم على أن كتابه هذا هو من مظان
الأحاديث المكذوبة والمصنوعة ، فقد عدَّه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب
"تلخيص الاستغاثة" (1/73) في ضمن المصنِّفين الذين " لا يعرفون الصحيح من السقيم ،
ولا لهم خبرة بالمروي المنقول ، ولا لهم خبرة بالرواة النقلة ، بل يجمعون فيما
يروون بين الصحيح والضعيف ، ولا يميزون بينهما " ، ويقول الإمام الذهبي في ترجمته
في "سير أعلام النبلاء" (16/323) : " وتَرُوج عليه الأحاديث الموضوعة "
انتهى
.
3- ومن وجوه النكارة فيه أيضا : قوله عن صلاة الظهر بأنها الساعة التي تسعر فيها
جهنم ، والثابت أن ساعة تسعير جهنم هي قبيل الزوال – قبيل الظهر – فإذا دخل وقت
الظهر دخلت ساعة الرحمة .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ :
( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ
الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَرْبَعًا ، وَيَقُولُ : إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ
تُفْتَحُ فَأُحِبُّ أَنْ أُقَدِّمَ فِيهَا عَمَلًا صَالِحًا )
رواه أحمد (3/411) حسنه ابن حجر في "نتائج
الأفكار" (3/6) والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3404) ومحققو المسند
.
ومنها : مخالفته ما جاء في الأحاديث الصحيحة أن اجتماع الصلوات الخمس هو من خصائص
أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن فرضت على الأنبياء من قبله ، وإن كان خالف
في ذلك بعض أهل العلم ، لكن هذا هو الصحيح إن شاء الله ، وقد بوب السيوطي في
"الخصائص الكبرى" (2/303) : " باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بمجموع الصلوات الخمس
، ولم تجمع لأحد ، وبأنه أول من صلى العشاء ولم يصلها نبي قبله " وذكر تحته مجموعة
من الأحاديث ، منها :
عن مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال :( أَعْتِمُوا
بِهَذِهِ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّكُمْ قَدْ فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ
، وَلَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ )
رواه أبو داود (421) وصححه الألباني في صحيح
أبي داود .
4- ومن قرائن ضعف الحديث ما فيه من تحديد ساعة أكل آدم من الشجرة ، والساعة التي
تاب الله فيها عليه ، ومثل هذه التفصيلات تشبه ما ترويه الإسرائيليات والأخبار
المنقولة عن أهل الكتاب ، وذلك يرجح كون الخبر مأخوذا عنها .
فالحاصل أن هذا الخبر كذب لا أصل له ، فلا تجوز روايته ولا نسبته إلى النبي صلى
الله عليه وسلم ، كما لا يجوز تناقله في المواقع والمنتديات .
والله أعلم .