أنا لا أحب الذهاب إلى طبيب ، وأفضِّلُ الطبيبة ، والطبيبة الماهرة الوحيدة التي أعرفها مسيحية ، وقد ارتحت لمعاملتها معي ، ونشأ بيننا كلام ، وأنا لما أتكلم مع أحد يجري على لساني دائما الدعاء له بقولي : ربنا يكرمك ، ربنا يعزك ، ربنا يبارك فيك . هل دعائي هذا صحيح أم لا ؟
الحمد لله.
الدعاء للكافر الذمي أو المعاهد ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أدعية تتعلق بالآخرة : كالدعاء له بدخول الجنة ، أو بالمغفرة والرحمة ، أو بالعتق من النار ، أو بنيل شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ونحو ذلك من الأدعية .
وهذا النوع لا يجوز الدعاء به ، فقد نهى الله سبحانه وتعالى عنه فقال : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) التوبة/113.
وفي صحيح مسلم (976) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ) .
قال النووي في "المجموع" (5/120) :
" وأما الصلاة على الكافر ، والدعاء له بالمغفرة : فحرام بنص القرآن والإجماع " انتهى .
القسم الثاني : أدعية تتعلق بالدنيا : كالدعاء له بكثرة المال والولد ، أو الدعاء له بالشفاء ، أو الدعاء بالتوفيق والسعادة ، ومن أهمها وأعظمها : الدعاء له بالهداية .
وهذا النوع من الأدعية جائز لا حرج فيه ولا إثم ، وذلك لوجوه عدة :
1- عدم ورود النهي عنه ، والأصل الجواز حتى يرد دليل المنع .
2- ما جاء في السنة من جواز رد السلام على الكافر إذا ألقى السلام بلفظ واضح ، وردُّ السلام هو دعاء بالسلامة والعافية ، وكذلك جاء في السنة جواز رقية الكافر ، والرقية هي دعاء بالشفاء ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (6714) .
3- لما فيه من مصلحة تأليف قلب هذا الكافر ، وهي مصلحة عظيمة معتبرة في مقاصد الشريعة . فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم غلاماً يهودياً كان مريضاً ، ودعاه إلى الإسلام وأسلم .
4- ورود مثل هذه الأدعية عن بعض السلف ، ومن ذلك :
عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه مر برجل هيأته هيئة مسلم ، فسلَّم ، فرد عليه عقبة : وعليك ورحمة الله وبركاته ، فقال له الغلام : إنه نصراني . فقام عقبةُ فتبعه حتى أدركه فقال : إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين ، لكن : أطال الله حياتك ، وأكثر مالك وولدك . رواه البخاري في "الأدب المفرد" (1/380).
وعن الحسن البصري أنه قال : إذا عزَّيتَ الذمي فقل : لا يصيبك إلا الخير .
أورده ابن القيم في "أحكام أهل الذمة" (1/438) وأورد مجموعة من الآثار بنحوه .
5- وقد أجاز الفقهاء رحمهم الله هذا النوع من الدعاء أيضا ، وهذه بعض النصوص في ذلك : جاء في "كشاف القناع" (3/130) للبهوتي الحنبلي :
" يجوز أن يقال له : أهلا وسهلا ، وكيف أصبحت ؟ ونحوه مثل : كيف حالك ؟ ويجوز أن يقول المسلم للذمي : أكرمك الله ، وهداك الله , يعني بالإسلام ، قال إبراهيم الحربي لأحمد : يقول له : " أكرمك الله " ؟ قال : نعم ، يعني بالإسلام " انتهى باختصار .
وجاء في حاشية "نهاية المحتاج" (1/533) ، وحاشية "تحفة المحتاج" (2/88) من كتب الشافعية : " ويجوز الدعاء للكافر بنحو صحة البدن والهداية " انتهى .
وقال المناوي في "فيض القدير" (1/345) :
" ويجوز الدعاء للكافر أيضا بنحو هداية ، وصحة ، وعافية ، لا بالمغفرة " انتهى .
وبناء عليه ، فلا حرج عليك في دعائك للطبيبة النصرانية بالكلمات المذكورة في السؤال :
" أكرمك الله ، أعزك الله " وتقصدي بها أن الله تعالى يكرمها ويعزها بالإسلام .
وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن الرجل المسلم يقول للرجل النصراني : أكرمك الله ؟ قال : نعم ، يقول : أكرمك الله ، يعني بالإسلام .
"الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/369) .
والله أعلم .