الثلاثاء 25 جمادى الأولى 1446 - 26 نوفمبر 2024
العربية

هل تجوز رُقية المريض الكافر

السؤال

هل يجوز أن نرقي كافر لغرض الدعوة ؟ فلو جاءت الرقية بنتيجة جيدة فربما يفكر هذا الكافر بالإسلام .
بالطبع فسوف يتم إخبار هذا الكافر بأنه ليس هناك قوة في هذه الرقية نفسها وإنما تحصل بمشيئة الله تعالى .

الجواب

الحمد لله.

ليس هناك ما يمنع من هذا الفعل ، والقرآن الكريم جعل الله فيه شفاء ، كما جعل في العسل أو الزيت وغيرها من الأشياء ، فهذه أسباب للشفاء والله هو الشافي فلا بأس برقية هذا الشخص وبخاصة أنّك تطمع في إسلام هذا الكافر.

وقد جاء في الحديث الصحيح ما قد يُفيد جواز رقية الكافر : فعن أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ( وهؤلاء القوم إما أنهم كفار أو أهل بُخل ولؤم كما ذكر ابن القيّم رحمه الله في المدارج ) فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اقْسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى لا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه البخاري ( 2276 ) ومسلم ( 2201 )

وفيما يلي مُقتطفات من شرح الحافظ ابن حجر رحمه الله للحديث مع شيء من فوائده .

قوله : ( فاستضافوهم ) أي طلبوا منهم الضيافة , وفي رواية الأعمش عند غير الترمذي " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين رجلا فنزلنا بقوم ليلا فسألناهم القري " .. والقري بكسر القاف مقصور : الضيافة .

قوله : ( فلُدغ ) أي لدغته عقرب

قوله : ( فسعوا له بكل شيء ) أي مما جرت به العادة أن يتداوى به من لدغة العقرب , كذا للأكثر من السعي أي طلبوا له ما يداويه ,

قوله : ( فأتوهم ) .. زاد البزار في حديث جابر " فقالوا لهم قد بلغنا أن صاحبكم جاء بالنور والشفاء , قالوا نعم " .

( فهل عند أحد منكم من شيء ) زاد أبو داود في روايته من هذا الوجه " ينفع صاحبنا " . قوله : ( فقال بعضهم ) في رواية أبي داود " فقال رجل من القوم : نعم والله إني لأرقي " .. الذي قال ذلك هو أبو سعيد راوي الخبر ولفظه " قلت نعم أنا . ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنما "

وقد وقع أيضا في رواية سليمان بن قتة بلفظ " فأتيته فرقيته بفاتحة الكتاب "

قوله : ( فصالحوهم ) أي وافقوهم . قوله : ( على قطيع من الغنم ) .. وقع في رواية الأعمش " فقالوا إنا نعطيكم ثلاثين شاة "

قوله : ( فانطلق يتفل ) : التَّفْل هو نفخ معه قليل بزاق

قال ابن أبي حمزة : محل التفل في الرقية يكون بعد القراءة لتحصيل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها الريق فتحصل البركة في الريق الذي يتفله .

قوله : ( ويقرأ الحمد لله رب العالمين ) في رواية شعبة " فجعل يقرأ عليها بفاتحة الكتاب " .. في رواية الأعمش أنه سبع مرات

قوله : ( فكأنما نُِشط ) .. ومعنى نشط : أقيم بسرعة , ومنه قولهم رجل نشيط .

قوله : ( من عِقال ) .. هو الحبل الذي يشد به ذراع البهيمة .

قوله : ( وما به قَلَبَة ) .. أي عّلة , وقيل للعلة قلبة لأن الذي تصيبه يقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء

قوله : ( وما يدريك أنها رقية ) قال الداودي : معناه وما أدراك .. وفي رواية معبد بن سيرين " وما كان يدريه " وهي كلمة تقال عند التعجب من الشيء وتستعمل في تعظيم الشيء أيضا وهو لائق هنا , زاد شعبة في روايته " ولم يذكر منه نهيا " أي من النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك , وزاد سليمان بن قتة في روايته بعد قوله وما يدريك أنها رقية " قلت ألقي في رُوعي " ( أي أُلْهمته إلهاما )

قوله : ( واضربوا لي معكم سهما ) أي اجعلوا لي منه نصيبا , وكأنه أراد المبالغة في تأنيسهم

وفي الحديث جواز الرقية بكتاب الله , ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور , وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور .. وفيه مقابلة من امتنع من المكرمة بنظير صنيعه لما صنعه الصحابي من الامتناع من الرقية في مقابلة امتناع أولئك من ضيافتهم

وفيه الاجتهاد عند فقد النص وعظمة القرآن في صدور الصحابة خصوصا الفاتحة , وفيه أن الرزق المقسوم لا يستطيع من هو في يده منعه ممن قسم له لأن أولئك منعوا الضيافة وكان الله قسم للصحابة في مالهم نصيبا فمنعوهم فسبب لهم لدغ العقرب حتى سيق لهم ما قسم لهم . وفيه الحكمة البالغة حيث اختص بالعقاب من كان رأسا في المنع , لأن من عادة الناس الائتمار بأمر كبيرهم , فلما كان رأسهم في المنع اختصّ بالعقوبة دونهم جزاء وفاقا ..

وفي الموسوعة الفقهية : - لا خِلافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ رُقْيَةِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ . وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ وَوَجْهُ الاسْتِدْلالِ أَنَّ الْحَيَّ - الَّذِي نَزَلُوا عَلَيْهِمْ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ - كَانُوا كُفَّارًا ، وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ عَلَيْهِ . والله تعالى أعلم .   

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد