حكم تأجير النادي لتقام فيه أعراس محرمة، والأكل من مال صاحبه، ونصيحة له
والدي عنده نادي خاص بالأفراح والمناسبات ، وغالباً ما يؤجره لأفراح متبرجة ، وأفراح إسلامية ، وليس عنده أي شروط ، ولا بنود ، بالإضافة أن البنود والشروط عند الإيجار أن الدي جي وتصوير الفيديو مع تأجير النادي ، وفي نيته تغير نشاط النادي قريباً ؛ لأنه شبه مقتنع أن الأفراح هذه حرام ؛ لما يوجد فيها من رقص ، واختلاط ، وعري ، وأغاني غير مشروعة ، وإزعاج بعض الجيران ، ولكن المشكلة هو أن الدخل الذي يأتي من النادي يوفر حاجات البيت من مصاريف ، وتجهيز الأولاد ، وهذا ما يجعله يرجع عن همته في تغيير نشاط النادي ؛ ولأنه ليس عنده أي دخل آخر مشروع .
فالسؤال : هل دخل النادي بهذا النشاط حرام أم حلال ؟ وما حكم الأكل منه ؟ وأسألك أن تتفضل بتوجيه رسالة ، ونصيحة لوالدي .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
للأسف صارت كثير من أفراح المسلمين الآن ، تحتوى على معاصٍ كثيرة ، كاختلاط الرجال
بالنساء اختلاطاً مستهتراً ، وتبرج النساء ، وآلات المعازف والأغاني ، وإزعاج
الجيران بهذه الأصوات المحرمة ، وتضييع الصلوات ، وعدم الاهتمام بشأنها ، وتصوير
هذه الحفلات بالفيديو بما فيها من نساء متبرجات .
والواجب على المسلمين أن يعظموا حرمات الله تعالى ، وأن تكون طاعة الله تعالى
ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليهم من كل شيء .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
"وأما تصوير المشهد – أي : الأعراس - بآلة التصوير : فلا يشك عاقل في قبحه ، ولا
يرضى عاقل فضلاً عن مؤمن أن تُلتقط صور محارمه من الأمهات ، والبنات ، والأخوات ،
والزوجات ، وغيرهن لتكون سلعة تُعرض لكل واحد ، أو ألعوبة يتمتع بالنظر إليها كل
فاسق.
وأقبح من ذلك : تصوير المشهد بواسطة الفيديو ؛ لأنه يصوِّر المشهد حيّاً بالمرأى ،
والمسمع ، وهو أمر ينكره كل ذي عقل سليم ، ودين مستقيم ، ولا يَتخيل أحدٌ أن
يستبيحه مَن عنده حياء ، وإيمان .
وأما الرقص من النساء : فهو قبيح ، لا نفتي بجوازه ؛ لما بلغنا من الأحداث التي تقع
بين النساء بسببه ، وأما إن كان من الرجال : فهو أقبح ، وهو من تشبه الرجال بالنساء
، ولا يخفى ما فيه ، وأما إن كان بين الرجال والنساء مختلطين ، كما يفعله بعض
السفهاء : فهو أعظم ، وأقبح ؛ لما فيه من الاختلاط ، والفتنة العظيمة ، لاسيما وأن
المناسبة مناسبة نكاح ، ونشوة عرس" انتهى .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 186 ، 187 ) .
ثانياً:
لا يجوز لمسلم أن يبيع أو يؤجر ما يُعصى الله تعالى به ، أو يُستعان به على معصية ،
لقول الله تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا
عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ) المائدة/2 .
فإذا كان المالك يعلم أن المستأجر سيستعمل هذا النادي في معصية الله ـ كما هو
الغالب ـ كانت الإجارة محرمة ، وكانت الأجرة مالاً حراماً ، لا يجوز له الانتفاع به
، بل يجب عليه أن يتخلص منه ، وينفقه في أوجه البر والخير .
ينظر جواب السؤال رقم (103789)
.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
رجل عنده استراحة ، وقد أجَّرها على أناس يستعملونها فيما حرم الله تعالى ، ولم
يشترط عليهم في العقد عدم استعمال ذلك ، فما الحل ؟ وإذا كان قد اشترط عليهم : فهل
ينفسخ العقد ويحق له إخراجهم ؟ وماذا عن قيمة الإيجار ؟ .
فأجاب :
"إن كان يعلم ، أو يغلب على ظنه أنهم سوف يستعملونها في معصية الله : فالعقد باطل ،
والأجرة ليست ملكاً له ، وهم لا حق لهم بالانتفاع ، وله أن يخرجهم فوراً .
وإذا كان لا يغلب على ظنه ذلك ، جاءه قوم استأجروها ، ولكن صاروا يعصون الله فيها :
فهذا يجب إنظارهم إلى مدتهم ؛ لأن عقد الإجارة عقد لازم ، لكن عليه أن ينصحهم ،
وينهاهم عن المنكر ، والأجرة التي أخذها : حلال له ؛ لأنه لم يؤجرهم إياها ليعصوا
الله فيها ، ولا علم بذلك ، ولا غلب على ظنه ، لكن إن شرط عليهم ألا يستعملوا ذلك
واستعملوه : وجب عليه فسخ الإجارة وجوباً ، وله ما سبق الفسخ من الأجرة"
انتهى باختصار .
" اللقاء الشهري " ( 39 / السؤال رقم 2 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 105341
) .
وأما بخصوص الأكل من مال أبيك ، فقد سبق في جواب السؤال رقم (45018)
.
أن المال المحرم لكسبه كالفوائد الربوية أو المأخوذ أجرة على عمل محرم يكون محرماً
على من اكتسبه فقط . أما من أخذه منه بطريق مباح كنفقة الأولاد والأهل ، أو الهدية
وغير ذلك فلا حرج عليه .
وعلى هذا ؛ فلا حرج عليك من الانتفاع بمال أبيك .
لكن إن رأيت أن امتناعك من الانتفاع به سيجعل والدك يتوب من ذلك الفعل المحرم ، وجب
عليك ذلك .
ثالثاً:
رسالتنا لوالدك :
اعلم يا عبد الله أن الدنيا فانية ، وأنك لا شك ولا ريب ملاقٍ ربك ، فماذا أنت قائل
له ، وأنت الذي تسببت في وجودٍ معاصٍ لا حصر لها ، واكتسبت آثاماً عظيمة بتلك
التأجيرات لذلك النادي الذي عُصي فيه الرب تعالى مرات ومرات ؟! .
وقد يكون كثيرٌ من هذه المعاصي له أثر مستمر ، من حب وغرام ، وفتنة بين زوجين ،
وصدٍّ عن هداية ، وآثام هذه المعاصي والمنكرات تبقى في صحيفتك حتى بعد موتك طالما
تلك المعاصي وآثارها موجودة .
وقد وسَّع الله لك في الرزق الحلال ، فلا حدَّ لما أباح الله تعالى من الأشياء ولا
عد ، فلم الدخول في مسالك الحرام ، ولم السير على طريق الضلال ، وأنت تعلم أن نهاية
ذلك المسلك وذلك الطريق هو الإثم ، والمعصية ، والعذاب ؟! فاتق الله تعالى واترك
هذا العمل المحرَّم ، واشكر نعمة الله عليك بما يحب الله ويرضى من الأفعال ، ولا
تؤجِّر هذا النادي لمن يستعمله بالحرام ، وابحث عن طريقة يدر بها عليك دخلاً حلالاً
طيباً يبارك له الله تعالى به .
واعلم أن من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه ، فستجد سعادة في قلبك ،
وانشراحاً في صدرك إذا تركت هذا العمل المحرَّم ، وقد يعوضك الله حتى من المال
الحلال ما هو خير مما كان يأتيك من الحرام .
قال الله تبارك وتعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ
حَسْبُهُ ) الطلاق/2، 3
وقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ
شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ
مِنْهُ ) رواه أحمد ( 22565 ) ، وصححه محققو
مسند " أحمد بن حنبل " ( 38 / 170 ) .
ونسأل الله تعالى أن يشرح صدرك لقبول الحق ، وأن يوفقك لما فيه رضاه .
والله أعلم