الحمد لله.
لا شك أن العمل في مجال السياحة على ما هو موجود في واقعنا الآن ، لاسيما في بلادكم ، تشوبه الكثير من المخالفات الشرعية ، من رعاية الاختلاط ، والتبرج ، وربما الخمور والمحرمات الأخرى ، وإذا كان الأمر كذلك ، كان جزء من مال أبيك محرما ، وهو ما يسمى عند العلماء بالمال المختلط .
وقد قرر أهل العلم أن من كان له مال مختلط من الحلال والحرام ، فإنه يجوز الأكل من ماله ، وتجوز سائر وجوه معاملته ، إلا أن التورع عن ذلك أولى .
أما احتجاج والدك بأن ذلك ضرورة ، فهو غير صحيح ، لأن أبواب الحلال كثيرة جدا ، وقد قال تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ، ولو فتح الإنسان على نفسه هذا الباب ، لولج كل أبواب الحرام بحجة الضرورة .
واعلم أن أكل الحرام له عواقب وخيمة ، لو لم يكن منها إلا الحرمان من إجابة الدعاء ، كما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا ... ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ له " رواه مسلم برقم 1015
ومال أبيك الذي اكتسبه عن طريق هذا العمل المحرّم يسمّيه العلماء مالاً محرّماً لكسبه ، أي أنه اكتسبه بطريق محرّم ، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذا المال يكون حراماً على مكتسبه فقط ، وأما من أخذه منه بطريق مباح فلا يحرم عليه كما لو أعطاك والدك هدية أو نفقة وما أشبه ذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين :
" قال بعض العلماء : ما كان محرما لكسبه ، فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب ، بخلاف ما كان محرما لعينه ، كالخمر والمغصوب ونحوهما ، وهذا القول وجيه قوي ، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتري من يهودي طعاما لأهله ، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر ، وأجاب دعوة اليهودي ، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت ، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة : ( هو لها صدقة ولنا منها هدية ) " القول المفيد على كتاب التوحيد 3 / 112
وقال الشيخ ابن عثيمين :
" وأما الخبيث لكسبه فمثل المأخوذ عن طريق الغش ، أو عن طريق الربا ، أو عن طريق الكذب ، وما أشبه ذلك ؛ وهذا محرم على مكتسبه ، وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح ؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت ، ويأخذون الربا ، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب " تفسير سورة البقرة 1/198
وعليه ، فلك أن ترث والدك ، وليس عليك أن تحسب ما أدخله عليك ، أو أن ترد ما أدخله عليك ، إلا أن التورع عن الأكل من ماله إن استطعت أولى .
والله أعلم .
للمزيد انظر ( أحكام القرآن لابن العربي 1 / 324 ، المجموع 9 / 430 ، الفتاوى الفقهية الكبرى للهيتمي 2 / 233 ، كشاف القناع 3 / 496 ، سؤال رقم 21701 ) .
تعليق