أجر سكنا لشخص فوضع عليه الدش
أنا أعمل في مسجد , وسكنت بعض غرفه , وأجرت الأخرى لشخص آخر منذ سنوات , ووضع دشا على السكن ، فقلت له : إنه لا يجوز . فقال لي : إني لا أضعه إلا للمباريات وأخبار دولتي , فهل تبرأ ذمتي ببيان الحكم له , بحيث لو وضعت قنوات الفساد يكون الإثم عليه , أم لا بد من طرده إذا لم يستجب؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
لا يجوز ولا يصح تأجير الدار لمن يتخذها محلا للمعصية كصالة للرقص ، أو دارٍ للخنا
، ونحو ذلك مما هو معصية لله تعالى ؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ، وقد
قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا
عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ ) المائدة /2 .
وهذا بخلاف ما لو أجرها الإنسان لشيء مباح ، كالسكنى ، ثم صار هذا المستأجر يرتكب
فيها المعصية ، فالإجارة صحيحة ، والإثم على مقترف المعصية ، ولكن إذا كانت المعصية
ظاهرة ، فينبغي نصحه ، وتهديده بعدم تجديد العقد له .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " تأجير المحلات والمستودعات لمن يبيع فيها أو
يودع الأشياء المحرمة حرام ؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ، الذي نهى
الله تعالى عنه في قوله: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)
المائدة/2 .
وكذلك تأجير المحلات لمن يحلقون اللحى ؛ لأن حلق اللحى حرام ، ففي تأجير المحلات له
إعانة على المحرم وتسهيل لطريقه . وكذلك تأجير الأحواش والمنازل لمن يجتمعون فيها
على فعل المحرم أو ترك الواجب ، وأما تأجير البيوت للسكنى إذا فعل الساكن فيها
معصية أو ترك واجبا فلا بأس به ؛ لأن المؤجر لم يؤجرها لهذه المعصية أو ترك الواجب
، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما
نوى) انتهى نقلا عن "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 666) .
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ أيضاً ـ رحمه الله مبينا الفرق بين ما يُستأجر للمعصية ،
وما يُستأجر لغرض مباح كالسكنى ثم تفعل فيه المعصية :
"لو استأجر من شخص داره ليقيم فيها شعائر النصارى ، فَجَعَلها كنيسةً فالإجارة حرام
؛ لقوله تعالى : ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) المائدة/2
، ومثل ذلك لو استأجرها لبيع الخمر أو الدخان أو القنوات الفضائية
... ولو أنه أجر شخصا بيتا ثم وضع فيه القنوات الفضائية ، وصار يأتي بكل قناة فاسدة
، فحكمه أنه إذا كان قد استأجر البيت لهذا الغرض فالإجارة محرمة وفاسدة ، وإن
استأجره للسكنى ثم وضع هذا فيه فلا بأس ، ولكن إذا تم العقد أي إذا تمت مدة الإجارة
يقول لهذا المستأجر : إما أن تُخرج هذه الآلة القنوات الفضائية وإما ألا أجدد لك
العقد . وأما ما تم عليه العقد من قبل فإنه يجب إتمامه لقوله تعالى : ( يا أيها
الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) المائدة/1" انتهى من "الشرح الممتع" (10/19).
ثانيا :
ينبغي إحسان الظن بالمسلم ، وعدم تتبع عوراته ، فما دمت قد نصحته وبَيَّنَت له ،
وأخبرك أنه لا يرى فيه تلك المحرمات ، فلا ينبغي لك التفتيش عن باطن أمره ، والتجسس
عليه ، بل يوكل أمره إلى الله تعالى ، فإن فعل محرماً كان إثم ذلك عليه وحده .
والله أعلم .