استثمر أموال الناس بطريقة محرمة وهو عاجز الآن عن ردها
كنت آخذ من الناس مبالغ من المال للاستثمار وأعطيهم عليها ربحاً ثابتاً بعد مدة معينة وعلمت بعد فترة أن ذلك حرام ولو أعطيتهم الآن حقوقهم يجوع أولادي وأسجن لعدم كفاية ما عندي بالنسبة لما لهم عندي فما الحل ؟ .
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
هذه المعاملة التي كنت تعامل بها الناس هي نوع من المشاركة يسميها الفقهاء :
"المضاربة" وهي أن يكون المال من شخص ، والطرف الآخر يعمل بهذا المال في التجارة أو
غيرها ، ويقسم الربح بينهما .
وصورتها الصحيحة : أن يتم تقسيم الربح حسب ما يتفقان عليه ، سواء كان نصيب كل واحد
منهما مساوياً للآخر أو يزيد أحدهما ، حسب ما يتراضيان عليه ، وأن تكون الخسارة
كلها في حالة حصولها على رأس المال ، أما الطرف الآخر الذي يشارك بعمله فإنه لا
يخسر مالاً ، وإنما يكون خسر عمله فقط .
والواجب عند تقسيم الربح أن يأخذ كل واحد من الشريكين جزءاً من الربح .
أما أن يُعطى صاحب رأس المال نسبة ثابتة من رأس المال كالعُشْر ، أو يُعطى مبلغاً
ثابتاً كل مدة مثل 1000 ريال مثلاًً ، فإن هذا محرم ، وقد نقل ابن المنذر رحمه الله
إجماع العلماء على تحريم المضاربة إذا اشترط أحد الشريكين قدراً معلوما من الدراهم
، وإنما يكون نصيب كل واحد منهما نسبة من الربح .
المغني (5/23) .
ثانياً :
يجب رد الأموال إلى أصحابها ، ولا تجوز المماطلة في ذلك ، ما دمت تملك ما تسدد به ،
من نقود ، أو أشياء يمكن بيعها ، والفقهاء يقولون : إن المفلس تباع أملاكه لسداد
دينه ، ولا يترك له إلا الأشياء الضرورية ، من مسكن وأثاث وثياب .... ونحو ذلك .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ )
رواه البخاري (2400) ومسلم (1564).
وفي حديث آخر : ( يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ )
رواه أبو داود (3628) والنسائي (4689) وابن ماجه
(2427) ، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1434) .
والمطل هو تأخير سداد الحق من غير عذر .
ومعنى "يحل عرضه" : أي أن يقول : فلان مطلني وظلمني وأكل حقي .
و "عقوبته" : أي : يجوز للحاكم أن يعاقبه على فعله المحرم .
فاتق الله تعالى ، وخف عقابه ، واحذر من عاقبة أكل الحرام وتأخير حقوق الناس ، ولا
تخف من المستقبل ، فإن الرزق بيد الله سبحانه ، وقد وعد أهل طاعته بالمزيد ، فقال
سبحانه : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/97
، وقال : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ
حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ
اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً )
الطلاق/2، 3 .
وهب نفسك أحد هؤلاء الناس ، وغيرك قد أخذ مالك ويماطلك مع قدرته على السداد ، خوفاً
على أولاده أو مستقبله ، فهل ترضى ذلك ، وهل تلتمس له عذراً ، وهل يسلم من سخطك
ودعائك ؟
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم موصيا أحد أصحابه : ( وانظر ما تحب من الناس أن
يأتوه إليك فافعل بهم ، وما كرهت أن يأتوه إليك فذرهم منه )
رواه أحمد وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"
(3508) .
وراجع جواب السؤال رقم (84030
) .
فالواجب عليك أن تسدد ما تستطيع تسديده من أموال الناس ، وما بقي فإنك تستسمحهم ،
ويكون ذلك دَيناً عليك تسدده متى استطعت ذلك .
والله أعلم .