يخشى إن أعفى لحيته وقصَّر إزاره من الملاحقة الأمنية ، فماذا يصنع ؟
أنا فى بلد مسلم ، وعربي ، ولكن يشذ فيه من يعفى لحيته ، ويقصر سرواله ، وهو المظهر الإسلامي الشرعي للرجل ، وكنَّا دائماً نسمع عنهم في السجون ، وفي مشاكل مع الحكومة ، ومعاملتها لهم السيئة ؛ وذلك لأن في بلادنا من يدَّعي الإسلام بمظهره ، ويتعامل بما يخالف ذلك ( يتهم بأنه إرهابي على حد تعبيرهم ) ، فخفتُ على نفسي من أن أكون مثلهم في عيون الحكومة ، وأن يصيبني ما أصابهم في ذلك ، وعلماً بأننا نتبع في بلادنا المذهب المالكي ، ولدينا شيوخ أفتوا في هذا الأمر ، بتخفيف اللحية ، أو حلقها ، للضرورة ، وإسبال السروال ، وأفتاني أحد شيوخنا أيضاً على أن الخوارج ، والشيعة ، والمشركين المتدينين أيضا أعفوا لحاهم ، فمخالفتهم في ذلك أصبحت معدومة ، وأنا في قلق شديد من ذلك ، ومع أني – الحمد لله - محافظ على أمور ديني الأخرى ، وتقلقني هذه المسألة .
فأنتظر إجابتكم ، وردكم على بريدي الإلكتروني بفارغ الصبر ، وبارك الله لي ولكم في نعمة الإسلام .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
سبق بيان أدلة تحريم حلق اللحية في جواب السؤال رقم : (
1189 ) ، فلينظر .
ثانياً:
أما القول بأن العلة من وجوب إعفاء اللحية هي مخالفة المشركين ، وقد زالت هذه العلة
الآن ، وعليه فلا يجب إعفاء اللحية : فهو قول باطل ، وقد رددنا عليه في جواب السؤال
رقم : ( 75525 ) ، فليُنظر .
ثالثاً:
لا يخفى علينا تعرض أهل الخير والصلاح في بعض بلاد الإسلام – للأسف – لمضايقات ،
بسبب التزامهم بشرع الله تعالى في لباسهم ، وهيئتهم ، وأنهم لا يستطيعون إظهار ذلك
إلا بمشقة بالغة ، مع احتمال تعرضهم للمساءلة ، بل السجن ، والإيذاء .
والذي يقال في هذه المسألة هو : أن الناس ليسوا سواء في احتمال تعرضهم للأذى في
بلدانهم ، وأن الأمر عند بعضهم لا يعدو كونه وهماً ، واحتمالاً ضعيفاً ، ومثل هؤلاء
لا يحل لهم التلبس بفعل المعصية ، من حلق اللحية ، أو إسبال الثوب .
وأما إن كان الخطر حقيقياً ، وكان احتمال التعرض للأذى قويّاً ظاهراً ، كما هو
الواقع فعلا في بعض البلاد : فهنا يجوز لهم الترخص بارتكاب المحذور من حلق لحية ،
وإسبال إزار .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
من اضطر لحلق لحيته لأسباب ، وإذا لم يحلقها سوف يؤذى في نفسه ، وماله ، فهل له أن
يحلقها ؟ .
فأجاب:
إن الظن من بعض الناس : لا أصل له ، بعض الناس يقول : أخشى إذا دخلتُ البلد الفلاني
وأنا ملتحي : أخشى أن أُعذَّب ، أو أُحبس ، أو ما أشبه ذلك ، ولكنَّ هذا وهمٌ من
الشيطان ؛ لأن هذا البلد الذي يقول " أخشى إن دخلته أن أُعذَّب " : يدخله أناس –
نعرفهم نحن – وهم ملتحون ، ولا يُنالون بسوء ، وهذا الشيء يُعتبر من السائل ، أو
ممن يظن ذلك : وهماً لا حقيقة له ، ولا يحل له بناءً على هذا الوهم أن يحلق لحيته .
نعم ، لو أنهم قالوا – حينما دخل هذا الرجل إلى البلد - : إما أن تحلق لحيتك ، أو
نحبسك : فحينئذٍ يحل له أن يحلقها ، لكن يحلقها دفعاً للإكراه ؛ لأن الله تعالى
أباح للإنسان أن يَكفر دفعاً للإكراه ، فقال تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ
بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ
وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ )
النحل/ من الآية 106 .
فهذا الذي أُكره على حلق لحيته ، فأُمسك ، وقيل له : احلق أو حبسناك : هذا لا شك أن
قلبه غير منشرح بالحلق ، لكنه أُكره عليه ، فإذا فعله دفعاً للإكراه : فلا إثم عليه
، أما وهماً ، يخشى أن يُمسك : فهذا لا يبيح له المحذور ؛ لأن ارتكاب المحذور
مُتيقَّن ، وهذا الوهم : غير متيقَّن .
" فتاوى الحرم المدني " ( شريط رقم : 25 ،
وجه : أ ) .
http://www.binothaimeen.com/sound/snd/a0174/a0174-25a.rm
ونقول للإخوة الذي يتعرضون لمثل
هذا : إنهم بإمكانهم تخفيف لحيتهم بدلاً من حلقها ، كما أفتاهم به شيوخهم المذكورون
؛ ما دام دفع الأذى يتحقق بذلك التخفيف ، فالتخفيف هنا أولى من الحلق ، وكذا أن
تكون أثوابهم قريبة جدّاً من كعبي رجليهم ، بدلاً من إسبالها ، وليس ثمة داعٍ
للمبالغة في تقصير الثوب ليلفت الأخ نظر الناس إليه ، ولا يعد مرتكباً لإثم في هذه
الحالة ، بل فعل ما هو جائز له ، ويُرجى أن يحصِّل أجراً على تركه الأفضل – عنده –
لأنه تركه مرغماً ، ودفعاً للحرج ، والوقوع في أيدي من لا يتقي الله تعالى ولا
يخافه .
ويُرجى النظر في جوابي السؤالين : (
52886 ) و ( 40769 )
ففيهما مزيد بيان .
ونسأل الله تعالى أن يفرِّج كرب المسلمين في كل مكان ، وأن يكتب لهم العز والتمكين
، وأن يثبتهم على دينه ، ويعينهم على طاعته.
والله أعلم