الحمد لله.
لا يجوز لأمين الجمعية الخيرية التصرف في مال الجمعية إلا في حدود مصلحتها ، بمقتضى ما أقرته الإدارة ، وكلفته به ، وذلك لأن أمين الجمعية مؤتمن على ما تحت يده من المال ، فيجب عليه رعايته وحفظه ، ولا يتصرف فيه إلا في الحدود المسموح بها إداريا ، وليس له أن يخالف ذلك ، ولو كان شيئا يسيرا ، فإن اليسير يجر إلى الكثير .
وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن من صور التعدي في الأمانة التي يمكن أن يقع فيها المؤتمن : أن يستقرض من المال الذي ائتمن عليه .
فإن فعل ذلك كان متعدياً ، ويجب عليه ضمان المال ، حتى لو تلف المال بعد أن رده بدون تعدٍّ أو تفريط منه ، فيجب عليه ضمانه ، لأنه بتعديه في الأمانة أول مرة صار كالغاصب ، فيلزمه ضمان المال .
انظر : "الإنصاف" (5/396) ، "كشاف القناع" (3/484) ، "أسنى المطالب" (2/122)
"الموسوعة الفقهية" (12/236-237)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"الوكيل أمين ؛ لأن العين حصلت بيده بإذن من الموكل ، ومتى ترتفع الأمانة ؟
ترتفع الأمانة إذا تعدى أو فَرَّط ، وصارت يده غير أمينة .
مثال ذلك : أودعت شخصا عشرة آلاف ريال ، وجعلها أمام عينه في الصندوق وبقيت في الصندوق لم يتصرف فيها ، فهو الآن أمين ؛ لأن الدراهم تحت يده بإذن من المالك .
هذا الرجل احتاج يوما من الأيام واستقرض هذه الدراهم ، واشترى بها حاجة ثم ردها في يومها إلى الصندوق ، فتزول أمانته ؛ لأن يده صارت غير أمينة ؛ لأنه تصرف في المال بغير إذن مالكه ، وهذا من التعدي .
فإذا قال قائل : هو أخذ عشرة آلاف وردها في اليوم نفسه ، وفي الصندوق نفسه ؟
نقول : لكن ليس له حق أن يتصرف في عين مال الغير إلا بإذنه ، وهذا لم يؤذن له .
ولو فرض أن هذا الصندوق احترق وتلفت الأموال التي فيه ، ومن جملتها عشرة الآلاف ، وذلك بعد أن تصرف فيها وردها فإنه يضمنها ؛ لأنه صار غير أمين بتصرفه فيها ، أما لو أبقاها ولم يتصرف فيها ، ثم احترق الصندوق فليس عليه ضمان ؛ لأنه أمين .
انتبه لهذه القواعد لأنها مفيدة جدا" انتهى .
"الشرح الممتع" (9/103) .
وقال أيضا رحمه الله :
"الأمين مؤتمن فلا يحل له أن يتجاوز ما ائتمن عليه" انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (234 /1) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
هل يجوز للموظف أن يقترض من مال صندوق الدائرة عن طريق المحاسب نظرا لاضطراره إلى ذلك ويستقطعه المحاسب من راتبه عند الصرف في نهاية الشهر الذي اقترض فيه ؟
فأجابوا :
"إذا كان الواقع ما ذكر في السؤال ، فإن هذا العمل لا يجوز ؛ لأن أمين الصندوق ليس له التصرف في مال الدائرة المودع لديه ، لأنه أمين ، والأمين لا يتصرف فيما اؤتمن عليه ، وعليه التوبة إلى الله وعدم العود لمثل هذا العمل " انتهى ملخصا.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23 / 477-478)
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
أنا أعمل في التجارة ويأتي إليَّ كثير من الإخوة المغتربين ويودعون عندي أموالاً نقدية لهم وحين يطلبونها أعطيهم إياها كاملة ، ولكنني خلال فترة بقائها عندي أخلطها مع مالي وأشتغل بها لنفسي ، فهل يجوز لي هذا التصرف إذا كان بدون إذنهم ؟ وهل لهم نصيب من الربح مما ربحته أو مما ربحته ودائعهم أم لا ؟
فأجاب :
"لا يجوز لك هذا التصرف لأنك مؤتمن وهذه ودائع في يدك الواجب عليك أن تحفظها وأن تحافظ عليها ، أما إذا استعملتها فقد تعديت في الأمانة ، ولو تلفت صار عليك ضمانها لأصحابها ؛ لأنك قد تعديت فيها ولم تحفظها الحفظ اللازم .
وأما بالنسبة لما حصل من أرباح فأرباح أموالهم لهم ولك أجرة مثلك إلا إن سمحوا لك بها أو بشيء منها ؛ لأن هذه مضاربة غير صحيحة ، لأنها لم تكن برضى من الطرفين ، والمضاربة إذا كانت غير صحيحة فإن ربحها يكون لصاحب المال ويكون للعامل أجرة مثله" انتهى .
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (76/1) .
فالنصيحة لك أن تكف عن هذا التصرف المحرم ، وتستغفر الله وتتوب إليه ، وتعزم على عدم العودة لمثل ذلك مرة أخرى .
والله أعلم