الحمد لله.
أولاً :
إذا كان هذا المال أو الكنز عليه علامات تدل على أنه من دفين الجاهلية ، مما قبل الإسلام ، سواء كان من أموال الروم أو الفرس أو غيرهما ، ففي هذه الحال يلزم التصدق بخمسه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فِي الرِّكَازِ : الْخُمْسُ ) رواه البخاري (1499) .
قال شيخ الإسلام : " اتفقوا على أنَّ في الركاز الخمس ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والركاز الذي لا ريب فيه : هو دفن الجاهلية ، وهي الكنوز المدفونة في الأرض ". انتهى " مجموع الفتاوى" (29/376) .
وقد سبق تفصيل الكلام عن الركاز في جواب السؤال (83746) .
وأما إذا كان هذا الكنز من دفين المسلمين ، فهو لقطة ، يجب تعريفها والبحث عن أصحابها عاما كاملا ، فإن لم يجد صاحبها ملكها من وجدها ، على أن يردها لصاحبها إن وجده بعد ذلك.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (23/102) : " لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ دَفِينَ أَهْل الإْسْلاَمِ لُقَطَةٌ .
وَيُعْرَفُ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ عَلاَمَةُ الإسْلاَمِ ، أَوِ اسْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ أَحَدُ خُلَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ وَالٍ لَهُمْ ، أَوْ آيَةٌ مِنْ قُرْآنٍ ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ .
قَال فِي الْمُغْنِي : وَإِنْ كَانَ عَلَى بَعْضِهِ عَلاَمَةُ الإِْسْلاَمِ ، وَعَلَى بَعْضِهِ عَلاَمَةُ الْكُفْرِ فَكَذَلِكَ ( أَيْ : لُقَطَةٌ ) ... ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ صَارَ إِلَى مُسْلِمٍ ، وَلَمْ يُعْلَمْ زَوَالُهُ عَنْ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ عَلَى جَمِيعِهِ عَلاَمَةُ الْمُسْلِمِينَ .
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ وَحْدَهُمْ ، بَل هُوَ قَوْل بَقِيَّةِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلاَمِهِمْ فِي مَعْرِفَةِ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ ".
قال ابن القيم : " وَمَا لَا عَلَامَةَ عَلَيْهِ فَهُوَ لُقَطَةٌ ، تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ". انتهى "الطرق الحكمية" (1/291)
وللوقوف على أحكام اللقطة ينظر جواب السؤال (5049) .
ثانياً :
إذا عَثر على الكنز في بيت ، أو أرض قد اشتراها ، أو وُهبت له ، فاختلف العلماء فيمن يملك الكنز :
" فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لِلْمَالِكِ الأَوَّل ، أَوْ لِوَارِثِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا ؛ لِأَنَّ الْكَنْزَ مُودَعٌ فِي الأَرْضِ ، فَلَمَّا مَلَكَهَا مَلَكَ مَا فِيهَا ، وَلاَ يَخْرُجُ مَا فِيهَا عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعِهَا ...
وَذَهَبَ الإمام أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةٍ - وَأَبُو يُوسُفَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الرِّكَازَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْخُمُسِ لِلْمَالِكِ الأَْخِيرِ ...؛ لأَنَّ الرِّكَازَ لاَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الأَرْضِ لأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا ، وَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِالظُّهُورِ عَلَيْهِ ". انتهى من "الموسوعة الفقهية" بتصرف (23/106)
وَقَدْ صَحَّحَ ابن قدامة المقدسي القول الثاني ، ثُمَّ قَال : " لأَنَّ الرِّكَازَ لاَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الدَّارِ ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ مُودَعٌ فِيهَا ، فَيُنَزَّل مَنْزِلَةَ الْمُبَاحَاتِ مِنَ الْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ وَالصَّيْدِ يَجِدُهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَيَأْخُذُهُ ، فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ ". انتهى " المغني" (2/327) .
وهذا هو ـ أيضا ـ ما يميل إليه الشيخ ابن عثيمين ، حيث قال رحمه الله : " الظاهر في هذه المسألة أن يكون لمن وجده ...؛ وذلك لأنه منفصل عن الأرض فلا يدخل في ملكها ، فيكون ملكاً لواجده ، كما لو وجد فيها كمأة أو شيئاً يخرج من الأرض فهو لواجده " . انتهى من تعليقه على كتاب "الكافي" (3/108) .
والله أعلم