الحمد لله.
ثانياً :
جاءت نصوص الوحي تبيِّن أن الاعتقاد الصحيح في رؤية المؤمنين ربَّهم تعالى ، وبعضها
في كون الرؤية لله تعالى ، وأخرى لرؤية وجهه الكريم .
فمن الأول : قوله تعالى ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) القيامة/ 22 ، 23 .
ومن الثاني : ما جاء من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه في دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ ) رواه النسائي ( 1305 ) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن النسائي " .
ولا فرق فيما ورد في نصوص الوحي بين ما جاء أن المؤمنين يرون ربهم تعالى وبين ما ورد أنهم يرون وجهه عز وجل ؛ لأن الوجه من صفات الله تعالى القائمة به ، فمن رأى وجهه عز وجل فقد رأى ربَّه تعالى .
فقد سئل الشيخ عبد المحسن
العبَّاد – حفظه الله - :
ورد في بعض أحاديث الرؤية أن الرؤية لله سبحانه وفي بعضها أن الرؤية لوجه الله ،
فكيف الجمع بينهم ؟
فأجاب :
" رؤية الله ، ورؤية وجه الله ، كلها رؤية لله عز وجل ، الله عز وجل من صفاته الوجه
، فرؤية الله عز وجل رؤية وجه الله " انتهى من " شرح سنن ابن ماجه " ( شريط 23 ) .
ثالثاً :
يجب أن يَعتقد المسلم أن الخلق لا يحيطون بربهم جل جلاله ، لا رؤية ، ولا علما ،
ولا بأي معنى من معاني الإحاطة ، كما قال الله تعالى : ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) طه/110 ، وقال تعالى
: ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) الأنعام/ 103 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" وحينئذ فتكون الآية دالَّة على إثبات الرؤية ، وهو أنه يُرى ولا يُدرك ، فيُرى من
غير إحاطة ولا حصر ، وبهذا يحصل المدح ؛ فإنه وصفٌ لعظمته أنه لا تدركه أبصار
العباد وإن رأته ، وهو يدرك أبصارهم ، قال ابن عباس - وعكرمة بحضرته - لمن عارض
بهذه الآية : " ألست ترى السماء ؟ " . قال : بلى ، قال : " أفكلها ترى ؟ " انتهى من
" مجموع الفتاوى " (16/88) .
وقال الشيخ عبد الرحمن
البراك ، حفظه الله :
" يرونه ولا يحيطون به ، فلا يرونه رؤية يدركونه بها من كل وجه ، فهو تعالى أعظم من
أن يحيط به العباد ؛ فإنهم : ( َلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) ، وكذلك لا يحيطون به
رؤية ؛ قال تعالى : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ) أي : لا تحيط به الأبصار "
انتهى من " شرح العقيدة الطحاوية " .
رابعاً :
إذا فهمنا أن رؤية وجه الله تعالى في الجنة ، هي – أيضا - رؤية لله تعالى ، فلا
مانع من أن يُرَى غير الوجه من صفاته الذاتية ، ونحو ذلك .
وقد ورد أن المؤمنين في
عرصات القيامة ، قبل دخول الجنة ، يرون ربهم عز وجل ، ويعرفونه بساقه حين يكشف لهم
عنها ، كما في حديث الشفاعة الطويل :
( فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلاَّ الأَنْبِيَاءُ ، فَيَقُولُ : هَلْ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ ؟ فَيَقُولُونَ السَّاقُ . فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ
، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ... ) رواه البخاري (7440) - واللفظ له - ، ومسلم
(183) .
لكن هل يرى غير ذلك من
الصفات ؟!
مثل هذا لا يصح القول فيه إلا بتوقيف ، وليس هو من مجال الخوض بالآراء والظنون ،
وليس في البحث عنه كبير فائدة ، بعد أن يكون المسلم قد أثبت ما دلت عليه النصوص من
رؤية الله جل جلاله ، والنظر إلى وجهه الكريم في الجنة .
خامساً :
وأما مسألة تعدد رؤية الرب تعالى في الجنَّة : فقد ذكرناها في جواب السؤال رقم
: ( 144199 ) فلتنظر هناك .
والله أعلم .