رجل مات وترك أم تجاوزت المائة عام ولازالت في كامل قواها العقلية، وعند قسمت الإرث رفضت أن تأخذ نصيبها (بحجة أنها لا تأخذ مال ميت)، وهي الآن تعيش مع ابنها الآخر، وعندما طلب منها التوقيع أو البصم على التنازل عن نصيبها رفضت ،فطلب من ابنها إن يوقع بدلا عنها بحكم انه كان شاهد على رفضها للميراث ، علما بان للأخ الثاني بعض الحقوق لدى أخوه المتوفى.
الحمد لله.
للوارث أن يتنازل عن نصيبه من التركة ويهبه لغيره ما دام عاقلا رشيدا ؛ لأن له أن يتصرف في ماله بما يحب .
وينبغي أن يُعلم أنه لا يشترط لتملك الإرث : رضا الوارث ، بل يدخل عليه نصيبه قهرا ، فيكون مالكا له . فهذه الأم تدخل حصتها من إرث ابنها في ملكها قهرا عليها ، ولا يمكنها رفضها ، لكن لها أن تهب هذه الحصة لمن تشاء ، ولا يشترط في الهبة الكتابة والتسجيل ، وإنما الكتابة لأجل التوثيق وحفظ الحقوق ومنع الاتهام .
وبناء على ذلك ، ينبغي إعلام الأم بأن نصيبها من تركة ابنها كذا وكذا من المال ، وأن هذا النصيب أصبح ملكا لها ، رضيت أو لم ترض ، وأن لها أن تتنازل عنه أو تهبه لمن تشاء ، فإن وهبته لابنها الآخر ، وكانت عاقلة رشيدة ، جاز ، بشرط ألا يكون لها ولد غيره ، فإن كان لها ولد غيره فيجب عليها أن تعدل بين أولادها ولا يجوز لها تفضيل بعضهم على بعض، وينبغي أن يُشهد على ذلك شاهدين ، وليس له أن يوقّع أو يبصم عنها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " الملك بالإرث قهري يدخل ملك الإنسان قهرا عليه ، قال تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) النساء/12 ، وقال : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) النساء/11، ولهذا لو قال أحد الورثة : أنا غني لا أريد إرثي من فلان ، قلنا له : إرثك ثابت شئت أم أبيت ولا يمكن أن تنفك عنه ، ولكن إن أردت أن تتنازل عنه لأحد الورثة أو لغيرهم ، فهذا إليك بعد أن دخل ملكك " انتهى من "الشرح الممتع" (6/ 142).
وقال رحمه الله : " الملك انتقل إلى الوارث قهرا ، فيدخل في ملك الوارث قهرا عليه حتى لو أراد الوارث أن يتخلى وقال : أنا لا أريد نصيبي من التركة ، فإنه لا يمكنه ذلك ؛ لأن الله ملكه إياه ، قال الله تعالى : (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) النساء/12 وقال: (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) النساء/11 ، فلا يمكن أن يتخلى عن شيء ملكه الله إياه ، فانتقال الملك بالإرث انتقال قهري لا يمكن للوارث أن يرفضه ، فلو مات ميت عن ابنين فقال أحدهما : أنا غني ولا أريد الإرث ، فهل يمكنه هذا؟ لا يمكن ، ونقول : هو دخل عليك قهرا بتمليك الله له إياك " انتهى من "الشرح الممتع" (10/ 232).
ولو فرض أن الأم لم توافق على الهبة ، فإن نصيبها يبقى ملكا لها ، يورث عنها عند موتها ، ولا يعتبر رفضها لأخذ هذا النصيب تنازلاً أو هبة ، حتى تصرح بالهبة أو التنازل ؛ لأن رفضها لا يصح ، وقد دخل المال ملكها بيقين ، فلا يخرج عن ملكها إلا بيقين ، ولهذا فالسبيل هنا هو تفهيمها وإعلامها بحكم المسألة .
والله أعلم .