الحمد لله.
للوارث أن يتنازل عن نصيبه من التركة ويهبه لغيره ما دام عاقلا رشيدا ؛ لأن له أن يتصرف في ماله بما يحب .
وينبغي أن يُعلم أنه لا يشترط لتملك الإرث : رضا الوارث ، بل يدخل عليه نصيبه قهرا ، فيكون مالكا له . فهذه الأم تدخل حصتها من إرث ابنها في ملكها قهرا عليها ، ولا يمكنها رفضها ، لكن لها أن تهب هذه الحصة لمن تشاء ، ولا يشترط في الهبة الكتابة والتسجيل ، وإنما الكتابة لأجل التوثيق وحفظ الحقوق ومنع الاتهام .
وبناء على ذلك ، ينبغي إعلام الأم بأن نصيبها من تركة ابنها كذا وكذا من المال ، وأن هذا النصيب أصبح ملكا لها ، رضيت أو لم ترض ، وأن لها أن تتنازل عنه أو تهبه لمن تشاء ، فإن وهبته لابنها الآخر ، وكانت عاقلة رشيدة ، جاز ، بشرط ألا يكون لها ولد غيره ، فإن كان لها ولد غيره فيجب عليها أن تعدل بين أولادها ولا يجوز لها تفضيل بعضهم على بعض، وينبغي أن يُشهد على ذلك شاهدين ، وليس له أن يوقّع أو يبصم عنها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " الملك بالإرث قهري يدخل ملك الإنسان قهرا عليه ، قال تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) النساء/12 ، وقال : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) النساء/11، ولهذا لو قال أحد الورثة : أنا غني لا أريد إرثي من فلان ، قلنا له : إرثك ثابت شئت أم أبيت ولا يمكن أن تنفك عنه ، ولكن إن أردت أن تتنازل عنه لأحد الورثة أو لغيرهم ، فهذا إليك بعد أن دخل ملكك " انتهى من "الشرح الممتع" (6/ 142).
وقال رحمه الله : " الملك انتقل إلى الوارث قهرا ، فيدخل في ملك الوارث قهرا عليه حتى لو أراد الوارث أن يتخلى وقال : أنا لا أريد نصيبي من التركة ، فإنه لا يمكنه ذلك ؛ لأن الله ملكه إياه ، قال الله تعالى : (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) النساء/12 وقال: (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) النساء/11 ، فلا يمكن أن يتخلى عن شيء ملكه الله إياه ، فانتقال الملك بالإرث انتقال قهري لا يمكن للوارث أن يرفضه ، فلو مات ميت عن ابنين فقال أحدهما : أنا غني ولا أريد الإرث ، فهل يمكنه هذا؟ لا يمكن ، ونقول : هو دخل عليك قهرا بتمليك الله له إياك " انتهى من "الشرح الممتع" (10/ 232).
ولو فرض أن الأم لم توافق على الهبة ، فإن نصيبها يبقى ملكا لها ، يورث عنها عند موتها ، ولا يعتبر رفضها لأخذ هذا النصيب تنازلاً أو هبة ، حتى تصرح بالهبة أو التنازل ؛ لأن رفضها لا يصح ، وقد دخل المال ملكها بيقين ، فلا يخرج عن ملكها إلا بيقين ، ولهذا فالسبيل هنا هو تفهيمها وإعلامها بحكم المسألة .
والله أعلم .
تعليق