الحمد لله.
ثانياً:
ما قاله طالب العلم من أنه يجوز الدعاء بالرحمة لغير المسلم في حياته : صحيح على
معنى : أن يرحمه الله مما هو فيه من المعصية ، ويهديه للطاعة ، فينقله من أهل نقمته
إلى أهل رحمته .
والأصح الذي لا إشكال في جوازه وصحته أنه يُدعى للكافر الحي بالهداية ، لا بالرحمة
ولا بالمغفرة ، وفي ذلك خروج من خلاف قائم في المسألة .
ومما يدل على هذا الأصح ما رواه الترمذي ( 2739 ) وأبو داود ( 5038 ) عَنْ أَبِي
مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ
اللَّهُ ، فَيَقُولُ ( يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 43164 ) .
ثالثاً:
لا خلاف بين العلماء في أنه لا يُدعى بالمغفرة والرحمة للكافر الذي مات على الكفر .
قال النووي – رحمه الله - :
الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة : حرام بنص القرآن والإجماع .
" المجموع " ( 5 / 119 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنَّة والإجماع .
" مجموع الفتاوى " ( 12 / 489 ) .
وأما الدعاء بالرحمة والمغفرة للكافر الحي : فثمة أقوال كثيرة للعلماء في جواز ذلك
، لا على معنى مغفرة شركه وكفره إن مات عليهما ، ولا أن يرحمه ربه تعالى وقد لقيه
كافراً ، ولكن ذلك الدعاء محمول على تحقيق ما يكون سبباً في مغفرته ورحمته وهو أن
يوفَّق للإسلام ، وهذا أحد الوجوه التي يُحمل عليها قوله تعالى– على لسان إبراهيم
عليه السلام – ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ
تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) إبراهيم/
36 ، وقوله صلى الله عليه وسلم ( اللهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ ) - رواه البخاري ( 3290 ) ومسلم ( 1792 ) - .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
( وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ولم يقل " فإنك عزيز حكيم " لأن
المقام استعطاف وتعريض بالدعاء ، أي : إن تغفر لهم وترحمهم بأن توفقهم للرجوع من
الشرك إلى التوحيد ومن المعصية إلى الطاعة كما في الحديث ( اللهُمَّ اِغْفِرْ
لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) .
" مدارج السالكين " ( 1 / 36 ، 37 ) .
وقال بدر الدين العيني – رحمه الله – في شرح حديث (اللهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي ) -
:
معناه : اهدهم إلى الإسلام الذي تصح معه المغفرة ؛ لأن ذنب الكفر لا يُغفر ، أو
يكون المعنى : اغفر لهم إن أسلموا .
" عمدة القاري شرح صحيح البخاري " ( 23 / 19 ) .
وذكر الحافظ ابن حجر هذين الوجهين في " فتح الباري " ( 11 / 196 ) .
وبجواز الدعاء بالرحمة والمغفرة على هذا المعنى قال طائفة من العلماء :
1. قال القرطبي – رحمه الله - :
وقد قال كثير من العلماء : لا بأس أن يدعوَ الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما
داما حيَّيْن ، فأما من مات : فقد انقطع عنه الرجاء فلا يُدعى له .
" تفسير القرطبي " ( 8 / 274 ) .
2. قال الآلوسي – رحمه الله - :
والتحقيق في هذه المسألة : أن الاستغفار للكافر الحي المجهول العاقبة ، بمعنى طلب
هدايته للإيمان مما لا محذور فيه عقلاً ونقلاً ، وطلب ذلك للكافر المعلوم أنه قد
طُبع على قلبه وأَخبر الله تعالى أنه لا يؤمن وعلم أن لا تعليق في أمره أصلا : مما
لا مساغ له عقلاً ونقلاً ، ومثله طلب المغفرة للكافر مع بقائه على الكفر على ما
ذكره بعض المحققين ، وكان ذلك - على ما قيل - لما فيه من إلغاء أمر الكفر الذي لا
شيء يعدله من المعاصى ، وصيرورة التكليف بالإيمان - الذي لا شيء يعدله من الطاعات -
عبثاً ، مع ما في ذلك مما لا يليق بعظمة الله عز وجل .
" روح المعاني " ( 16 / 101 ) .
والخلاصة :
الأفضل أن تدعو لوالدتك بالهداية والتوفيق ، وأن يشرح الله صدرها للقيام بما أمرها
الله تعالى به ، ولو دعوت لها بالرحمة فلا مانع ، على إرادة أن يرزقها الله التوفيق
والهداية لما تستحق به الرحمة ، وهو الصلاة .
ولمعرفة الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة : انظر جواب السؤال رقم (
47425 ) .
والله أعلم