الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

هل يجوز الدعاء للكافر الحي بالمغفرة والرحمة ؟

153574

تاريخ النشر : 07-11-2010

المشاهدات : 145620

السؤال

قال تعالى ( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ) ، إن والدتي تاركة للصلاة ، وبحسب ما أعلم أن تارك الصلاة خارج من الملة ، فكيف يجوز لي أن أدعو لها بالرحمة إذاً ؟ . لكنّ أحد طلبة العلم قال لي : إنه يجوز أن أدعو لها بهذا الدعاء في حال حياتها فقط ؛ لأن الله قد يرحمها فيهديها للصلاة ، فهل هذا صحيح ؟ . وهل يصح أن أدعو بهذا الدعاء لوالدي ؟ وكيف تكون صيغة الدعاء باللغة العربية إذا دعوت له ؟ أرجو منكم الدعاء لوالدتي بأن يهديها الله .

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
نسأل الله تعالى أن يهديَ والدتك لما يحب ويرضى ، وأن يجعلها من القانتات العابدات ، وأن يقرَّ عينك بهدايتها وصلاحها ، كما نسأله تعالى أن يجمع شمل أسرتكم في الدنيا على الطاعة وفي الآخرة في الفردوس الأعلى .

ثانياً:
ما قاله طالب العلم من أنه يجوز الدعاء بالرحمة لغير المسلم في حياته : صحيح على معنى : أن يرحمه الله مما هو فيه من المعصية ، ويهديه للطاعة ، فينقله من أهل نقمته إلى أهل رحمته .
والأصح الذي لا إشكال في جوازه وصحته أنه يُدعى للكافر الحي بالهداية ، لا بالرحمة ولا بالمغفرة ، وفي ذلك خروج من خلاف قائم في المسألة .
ومما يدل على هذا الأصح ما رواه الترمذي ( 2739 ) وأبو داود ( 5038 ) عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ ، فَيَقُولُ ( يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 43164 ) .

ثالثاً:
لا خلاف بين العلماء في أنه لا يُدعى بالمغفرة والرحمة للكافر الذي مات على الكفر .
قال النووي – رحمه الله - :
الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة : حرام بنص القرآن والإجماع .
" المجموع " ( 5 / 119 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنَّة والإجماع .
" مجموع الفتاوى " ( 12 / 489 ) .
وأما الدعاء بالرحمة والمغفرة للكافر الحي : فثمة أقوال كثيرة للعلماء في جواز ذلك ، لا على معنى مغفرة شركه وكفره إن مات عليهما ، ولا أن يرحمه ربه تعالى وقد لقيه كافراً ، ولكن ذلك الدعاء محمول على تحقيق ما يكون سبباً في مغفرته ورحمته وهو أن يوفَّق للإسلام ، وهذا أحد الوجوه التي يُحمل عليها قوله تعالى– على لسان إبراهيم عليه السلام – ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) إبراهيم/ 36 ، وقوله صلى الله عليه وسلم ( اللهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) - رواه البخاري ( 3290 ) ومسلم ( 1792 ) - .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
( وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ولم يقل " فإنك عزيز حكيم " لأن المقام استعطاف وتعريض بالدعاء ، أي : إن تغفر لهم وترحمهم بأن توفقهم للرجوع من الشرك إلى التوحيد ومن المعصية إلى الطاعة كما في الحديث ( اللهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) .
" مدارج السالكين " ( 1 / 36 ، 37 ) .
وقال بدر الدين العيني – رحمه الله – في شرح حديث (اللهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي ) - :
معناه : اهدهم إلى الإسلام الذي تصح معه المغفرة ؛ لأن ذنب الكفر لا يُغفر ، أو يكون المعنى : اغفر لهم إن أسلموا .
" عمدة القاري شرح صحيح البخاري " ( 23 / 19 ) .
وذكر الحافظ ابن حجر هذين الوجهين في " فتح الباري " ( 11 / 196 ) .
وبجواز الدعاء بالرحمة والمغفرة على هذا المعنى قال طائفة من العلماء :
1. قال القرطبي – رحمه الله - :
وقد قال كثير من العلماء : لا بأس أن يدعوَ الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيَّيْن ، فأما من مات : فقد انقطع عنه الرجاء فلا يُدعى له .
" تفسير القرطبي " ( 8 / 274 ) .
2. قال الآلوسي – رحمه الله - :
والتحقيق في هذه المسألة : أن الاستغفار للكافر الحي المجهول العاقبة ، بمعنى طلب هدايته للإيمان مما لا محذور فيه عقلاً ونقلاً ، وطلب ذلك للكافر المعلوم أنه قد طُبع على قلبه وأَخبر الله تعالى أنه لا يؤمن وعلم أن لا تعليق في أمره أصلا : مما لا مساغ له عقلاً ونقلاً ، ومثله طلب المغفرة للكافر مع بقائه على الكفر على ما ذكره بعض المحققين ، وكان ذلك - على ما قيل - لما فيه من إلغاء أمر الكفر الذي لا شيء يعدله من المعاصى ، وصيرورة التكليف بالإيمان - الذي لا شيء يعدله من الطاعات - عبثاً ، مع ما في ذلك مما لا يليق بعظمة الله عز وجل .
" روح المعاني " ( 16 / 101 ) .

والخلاصة :
الأفضل أن تدعو لوالدتك بالهداية والتوفيق ، وأن يشرح الله صدرها للقيام بما أمرها الله تعالى به ، ولو دعوت لها بالرحمة فلا مانع ، على إرادة أن يرزقها الله التوفيق والهداية لما تستحق به الرحمة ، وهو الصلاة .
ولمعرفة الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة : انظر جواب السؤال رقم ( 47425 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب