الحمد لله.
ثانياً:
أما قول نوح عليه السلام لقومه ( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً ) : فليس المراد به الرؤية البصرية ، بل هي الرؤية العلمية ،
وهي كثيرة بهذا اللفظ في كتاب الله ، كقول الله تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ) البقرة/
243 ، وقوله ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ) الفجر/ 6 ، وقوله (
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا
قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) إبراهيم/ 28 ، وغير ذلك كثير .
قال القرطبي – رحمه الله - :
والعرب تضع " العلم " مكان " الرؤية " ، و " الرؤية " مكان " العلم " ، كقوله تعالى
( أََلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ) الفيل/ 1 ، بمعنى : ألم تعلم .
" تفسير القرطبي " ( 2 / 156 ) .
وقال رحمه الله – في الآية موضع السؤال - :
وقوله ( أَلَمْ تَرَوْا ) على جهة الإخبار لا المعاينة ، كما تقول : ألم ترني كيف
صنعت بفلان كذا .
" تفسير القرطبي " ( 18 / 304 ) . وينظر أيضا : تفسير "الهداية" ، لمكي بن طالب ،
عند تفسير هذه الآية .
وقال الإمام مكي بن طالب في تفسيره :
" ومعنى ( ألم ترو كيف خَلَقَ اللهُ ) : اعلموا أن الله خلق ذلك . ولو كان على غير
الأمر معناه ، لقالوا : ما نرى إلا واحدة !! ولكن معناه الأمر ، كما تقول : غفر
الله لك ، [ أي ] : اللهم اغفر له ، لأنك لست تخبره عن أمره علمتَه ، إنما هو دعاء
تتمنى كونه له .
ومن هذا قول الرجل للرجل : أَلَمْ تَرَ أَنِّي لقيت زيداً فقلت له كذا وقال لي كذا
؟ معناه : اعلم أني لقيت زيداً ، فكان من أمره وأمري كذا وكذا .
ومثله : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل [الفيل : 1] .
وقيل : معناه : ألم يبلغكم كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً ، فتتعظوا وتزدجروا ؟
وكذلك معنى الآية الأخرى : ألم يبلغك يا محمد كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ، ولم أُوحِ
إليك كيف فعلت بهم ؟" انتهى من " الهداية إلى بلوغ النهاية" (12/7739) .
والله أعلم