الحمد لله.
أولاً:
أخبر الله تعالى عن خلق السموات وعن عددهن وعن هيئتهن.
قال تعالى ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة/ 29 .
وقال ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ) الطلاق/ 12 .
وقال تعالى ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) الملك/ 3 .
وقال ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) فصلت/ 12 .
هذا بعض ما نعرف عن السموات السبع ، ولولا إخبار الله تعالى به لما علم ذلك أحد ؛ إذ هو من الغيب الذي لا يستطيع أن يعلمه أحد من البشر لولا إخبار الله به .
ونحن نشهد بما أخبرنا به ربنا تعالى ، ونجزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عرج به إلى السموات فرآها كلها ، ونجزم أنه أحداً من البشر لم يفعل ذلك ، ولم ير طبقات السموات بعده صلى الله عليه وسلم .
ثانياً:
أما قول نوح عليه السلام لقومه ( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً ) : فليس المراد به الرؤية البصرية ، بل هي الرؤية العلمية ،
وهي كثيرة بهذا اللفظ في كتاب الله ، كقول الله تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ) البقرة/
243 ، وقوله ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ) الفجر/ 6 ، وقوله (
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا
قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) إبراهيم/ 28 ، وغير ذلك كثير .
قال القرطبي – رحمه الله - :
والعرب تضع " العلم " مكان " الرؤية " ، و " الرؤية " مكان " العلم " ، كقوله تعالى
( أََلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ) الفيل/ 1 ، بمعنى : ألم تعلم .
" تفسير القرطبي " ( 2 / 156 ) .
وقال رحمه الله – في الآية موضع السؤال - :
وقوله ( أَلَمْ تَرَوْا ) على جهة الإخبار لا المعاينة ، كما تقول : ألم ترني كيف
صنعت بفلان كذا .
" تفسير القرطبي " ( 18 / 304 ) . وينظر أيضا : تفسير "الهداية" ، لمكي بن طالب ،
عند تفسير هذه الآية .
وقال الإمام مكي بن طالب في تفسيره :
" ومعنى ( ألم ترو كيف خَلَقَ اللهُ ) : اعلموا أن الله خلق ذلك . ولو كان على غير
الأمر معناه ، لقالوا : ما نرى إلا واحدة !! ولكن معناه الأمر ، كما تقول : غفر
الله لك ، [ أي ] : اللهم اغفر له ، لأنك لست تخبره عن أمره علمتَه ، إنما هو دعاء
تتمنى كونه له .
ومن هذا قول الرجل للرجل : أَلَمْ تَرَ أَنِّي لقيت زيداً فقلت له كذا وقال لي كذا
؟ معناه : اعلم أني لقيت زيداً ، فكان من أمره وأمري كذا وكذا .
ومثله : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل [الفيل : 1] .
وقيل : معناه : ألم يبلغكم كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً ، فتتعظوا وتزدجروا ؟
وكذلك معنى الآية الأخرى : ألم يبلغك يا محمد كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ، ولم أُوحِ
إليك كيف فعلت بهم ؟" انتهى من " الهداية إلى بلوغ النهاية" (12/7739) .
والله أعلم
تعليق