الحمد لله.
ثانياً:
الذي ينبغي التنبيه عليه هنا : أن الحقوق التي يجب ردها لأهلها لا تشمل ما هو
محرَّم لذاته مما أهدرت الشريعة قيمته ، كالخمور ؛ فإنها محرَّمة لذاتها وقيمتها
هدر ، فمن سرقها : فلا قطع عليه ولا ضمان .
وعليه : فإننا نفرِّق بين سرقتك لزجاجات الخمر ، وبين سرقتك للمكالمات الدولية من
غير دفع ثمنها .
فالأولى : لا قطع فيها ولا ضمان ، وإنما الإثم على شرب المسكر .
والثانية : تَضمن فيها قيمة المكالمات وتردها إلى أصحابها .
والقول – في سرقة الخمر - بعدم القطع هو قول الجماهير والخلاف فيه ضعيف ، والقول
بعدم الضمان هو قول الشافعية والحنابلة وأهل الظاهر ، وهو الراجح .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
لا يقطع في سرقة محرم كالخمر والخنزير والميتة ونحوها سواء سرقه من مسلم أو ذمي ،
وبهذا قال الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي ، وحكي عن عطاء أن سارق خمر الذمي يقطع
وإن كان مسلماً لأنه مال لهم أشبه ما لو سرق دراهمهم .
ولنا : أنها عين محرمة فلا يقطع بسرقتها كالخنزير ، ولأن ما لا يُقطع بسرقته من مال
مسلم لا يقطع بسرقته من الذمي كالميتة والدم ، وما ذكروه ينتقض بالخنزير ولا اعتبار
به ، فإن الاعتبار بحكم الإسلام وهو يجري عليهم دون أحكامهم .
" المغني " ( 10 / 278 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
لا يُقطع بسرقة محرم كالخمر ؛ وذلك لأنه غير مال أصلاً ، فليس فيه ماليَّة إطلاقاً
، بخلاف آلة اللهو ففيها مالية ؛ لأنها لو غيرت عن آلة اللهو لأمكن أن ينتفع بها ،
لكن الخمر لا يمكن أن ينتفع به أبداً ؛ لأنه حتى لو خلِّل فلا يجوز ، إلا إذا تخلل
بنفسه ، وعليه : فلو سرق خمراً : فلا قطع عليه ؛ لأنه ليس بمال .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 14 / 333 ) .
وبناء على ذلك : فلا يلزمك في توبتك من سرقة الخمر شيء لأصحابها .
وأما ثمن المكالمات الدولية : فإنه مما يجب عليك
إرجاعه لأصحاب الحق فيه ، حكومة كانوا أو أفراداً ، ولتختر الطريقة المناسبة لذلك
كأن تضع مالاً في حساب الدولة ، أو تشتري في مصلحة عامة ما يجب على الدولة شراؤه .
وتجد ما يفعل التائب من ذنب إجراء مكالمات – تحديداً – وعدم دفع ثمنها لأصحابها في
جواب السؤال رقم ( 99394 ) .
والخلاصة :
1. باب التوبة مفتوح لكل المذنبين ، والسعيد من أدرك نفسه قبل فوات الأوان .
2. التوبة من الذنوب التي ليس فيها حقوق للآخرين تحتاج لاستغفار وندم وعزم على عدم
العود لها والإكثار من الأعمال الصالحة .
3. الذنوب التي فيها حقوق للآخرين لا بدَّ من ردها لأهلها ، فإن لم يوجدوا : فلأحد
ورثتهم ، فإن لم يوجدوا : تُصدق بها عن المسلم – حيّاً أو ميتاً – وعن الكافر – فقط
حيّاً - .
4. وإذا كان الحق لكافر ميت : فيتخلص التائب من حقه بوضعه في وجوه الخير المختلفة .
5. إذا كان المال المسروق لكافر أو مسلم ، مما أهدرت الشريعة قيمته ولا نفع فيها -
كثمن الخمر - : فإنه لا يبذل التائب ثمنه لهما ؛ لأن ماليتها مهدرة ، وأما المحرَّم
الذي يوجد فيه نفع كخشب آلة العود أو ذهب الصليب : فإنه يضمن قيمة ما ينتفع به منه
.
والله أعلم