سؤالي عن الاعتكاف ، حيث إن زوجي ينوي الاعتكاف طوال شهر رمضان ، ونحن بحاجته إذ إنه متزوج من ثلاث نساء إحداهن بالشهر التاسع من الحمل وليست من نفس المنطقة التي يعيش فيها ، ولديه عدة أطفال ، ولا نريده أن يذهب من أول الشهر .
فهل يحق له الذهاب بدون رضانا مع حاجتنا إلى وجوده معنا ؟ .
أجيبوني جزاكم الله خيراً .
الحمد لله.
الاعتكاف عبادة عظيمة ينقطع فيها العبد عن مشاغل الدنيا ليراجع نفسه ، ويعبد ربه ،
وما كان لا يستطيع فعله قبل ذلك فإنه يتفرغ له الآن ، وما كان مقصِّراً فيه قبل ذلك
فإن له وقته الذي يستحقه ، ولا خلاف بين العلماء أنه سنَّة ، وقد نقل الحافظ ابن
حجر في " فتح الباري " ( 4 / 272 ) عن الإمام أحمد قوله " لا أعلم عن أحد من
العلماء خلافا أنه مسنون " .
ولكن هذه العبادة لا يجوز أن يكون معها تقصير في واجب شرعي ، كالقيام على الأهل ،
وكتمريض زوجة ، أو رعاية والد أو والدة ، إذا كان ذلك متعين على العبد ولا يقوم
مقامه أحد ، وإذا كان يمكن أن يقوم على والديه بعض أشقائه وشقيقاته فإنه لا يقوم
على تربية أولاده غيره ، ولا يقوم على العناية بزوجاته سواه .
ومن هنا : فإنه بحسب ما ذُكر في السؤال فإننا لا نرى جواز اعتكاف الزوج شهراً
كاملاً بل ولا أقل من شهر ؛ لوقوعه في التفريط بسبب ذلك بواجبات شرعية أوجبها ربه
تعالى عليه .
ونرى أنه يمكن أن يجمع بين الأمرين فيقوم على العناية بأهل بيته ويرمن لهم طلباتهم
، ثم يعتكف أياماً يسيرة ، ثم يرجع للبيت ليقوم بما أوجبه الله عليه ، ثم يرجع
ليعتكف من جديد ، وهكذا لا يقع في مخالفة شرعية ولا يتوجه له اللوم من أحد .
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين – رحمه الله - :
ما أكثر الاعتكاف وما أقله ؟ .
فأجاب :
لا حد لأكثره ، إلا أنه يكره إطالته إذا حصل إضاعة العبد لأهله وانشغاله عنهم ، فقد
ورد في الحديث ( كفى بالمرء إثما أن يضيِّع من يعول ) فمن أطاله كثيراً : فإنه يلزم
منه ترك طلب المعاش ، وتكليف غيره بالإنفاق عليه ، وحصول المشقة بإحضار طعامه
وشرابه إليه في المسجد ونحو ذلك من الأغراض .
رسالة " حوار في الاعتكاف " السؤال رقم ( 2 ) .
وسئل – رحمه الله - :
إذا أراد الاعتكاف ولكنه هو ولي بيته ولا يوجد غيره : فأيهما أفضل : ولايته على أهل
بيته أم الاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان ؟ .
فأجاب :
نختار قيامه بواجب أهله وقضاء حوائجهم وإقامته معهم كمحرم ومؤنس يحميهم ويحفظ عليهم
منزلهم وأنفسهم أو يكتسب لهم ما يقوتهم ؛ فإن باعتكافه وتركهم بلا ولي يتعرضون
للصوص والمفسدين ، أو تتعطل حوائجهم ، أو يتكلفون في إحضار أغراضهم من الأسواق ، أو
يكلِّفون غيرَهم بشراء ما هم بحاجته وفي ذلك منَّة عليهم قد لا يتحملونها ، وقد روى
مسلم عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كفى بالمرء إثما
أن يضيع من يقوت ) فيدخل فيه : عدم الإنفاق عليهم ، وإهمالهم بلا كسب مع القدرة ،
فإن وجد من يتولى حوائجهم من أقاربه ويحفظهم ويحفظ لهم ما يتطلبونه : جاز الاعتكاف
، بل هو مستحب ؛ لعدم ما يشغله عنه .
رسالة " حوار في الاعتكاف " السؤال رقم ( 11 ) .
ويمكن الاطلاع عليها كاملة هنا :
http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=3&book=10&toc=328
وقد سبق التنبيه على خطأ ما يفعله من ينشغل عن أهله
والقيام بشئونهم بحجة الانشغال بالدعوة أو التعليم ، وأن ذلك ليس بعذرٍ لهم في
تفريطهم بما أوجب عليهم , ولتنظر في ذلك أجوبة الأسئلة : (
3043 ) و (
6913 ) و (
23481 ) و (
110591 ) .
والله أعلم