الحمد لله.
نسأل الله العظيم أن يفرج عنك كربتك .. ويُيسر لك أمرك .. ويؤنسك في غربتك .. ويصلح لك زوجك .. ويشفيك من مرضك .. آمين .
وسؤالك أيتها السائلة قد اشتمل على أمور متعددة .. ما بين مسألة فقهية ومشكلة اجتماعية .. ولعل من المناسب أن نتناول كل مشكلة على حدة للوصول إلى الحل النافع :
وأول هذه المشكلات : هو أن زوجك بدأ يتراجع عن إتمام الشرط الذي اشترطته عليه عند عقد النكاح وهو إتمامك للدراسة ، وهذا لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " رواه البخاري (2721) ومسلم (1418). أي شروط عقد النكاح التي تشترطها المرأة أو وليها ، مع التنبيه على أن يكون الشرط لا يخالف كتاب الله .
فالواجب على الزوج أن يفي بهذا الشرط ، وألا يحول بينك وبين الدارسة .
وأما مصاريف الدراسة واختيار الجامعة فهذا يرجع إلى تفاصيل الشرط فإن كنت شرطتِ عليه أن ينفق عليك أو اشترطتِ جامعة معينة فيجب عليه الوفاء بالشرط ، وإن لم تشترطي عليه فلا يلزمه إلا تمكينك من الدراسة فقط .
وأما قولك بأنك نويت المكوث وعدم السفر مع زوجك، فإن كان جلوسك بموضع آمن جاز لك ذلك وإلا فلا .
وهذا كله في حال أن تكون الدراسة شرعية أما إذا كان فيها اختلاط بين النساء والرجال ، وفيها منكرات كما في أكثر جامعات العالم : فلا يجوز لك الدراسة فيها ، ولا يجوز لزوجك أن يفي بمثل هذا الشرط أصلاً .
وأما المشكلة الثانية وهي : أنه لا يجد وقتاً كافياً للجلوس معك .
فالجواب عليها : هو أنه سيجد ولكن بشيء من التخطيط السليم ، ومراجعة الأولويات ومعرفة الحقوق والواجبات .
ونذكرك بأن انشغال زوجك في الأعمال الصالحة نعمة ولعلك أن تعذريه شيئاً ما ، وأن تحمدي الله أنه ليس بمنشغل بالمعاصي كما هو حال عدد من الزوجات اللاتي ابتلين بأزواجٍ مضيعين لأُسرهم ، غارقين في معاصي الله .
والذي يظهر أن زوجك عنده شيء من عدم الوضوح في فقه الأولويات الشرعية ، وشيءٌ من عدم التوازن في القيام بالواجبات الشرعية ، وربما أخذه جانب من الدين فشغله عن جانب آخر منه ، فليُذكَّر بقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة وحديث النبي صلى الله عليه وسلم : " وإن لأهلك عليك حقاً " .
وأن يراعي الترتيب الشرعي في الاهتمام الدعوي بنفسه ثم بزوجته وأولاده ثم سائر أقاربه ، الأقرب قبل الأبعد ، ومن المهم أن تُشعريه أنك لست ضد جهوده الدعوية ولست حجر عثره في طريقه في العمل لدين الله ، ولكنك تريدين حقك الشرعي في الاهتمام .
قولي له اجعلني إحدى المدعوين الذين تهتم بهم وتتابعهم ، واجعل أولادك أحد المشروعات الدعوية التي تقوم به وتتابعها ، وللمزيد يُنظر السؤال رقم (6913) .
وبعد الانتهاء من حل هذه المشكلة فإننا على ثقة – إن شاء الله – بأنه ستزول المشكلة الثالثة في هذا السؤال وهي الشعور بكره الزوج الناتج عن سوء معاملته لك ، لأن هذا الكره ما هو إلا نتيجةٌ عكسية عن إهماله لك ، وزوالها بزوال السبب وهو الإعراض عن حقوقك عليه ، ومع ذلك أكثري من سؤال الله أن يفتح قلبه لك ، وقلبك له ، لأن الشيطان أحرص ما يكون على التفريق بين الرجل وزوجته ، وما الكره الحاصل في قلبك إلا من نزغات الشيطان ، فاستعيذي بالله من شره .
المشكلة الرابعة:
عدم قيام الزوج بواجباته تجاه زوجته وأولاده ، وفي المقابل يقوم بالنفقة على والديه .
وهذا العمل من الزوج اشتمل على خطأٍ وصواب ، أما الصواب فهو إنفاقه على والديه وإخوانه ، وأما الخطأ فهو إعراضه عن النفقة على زوجته ، وهذا خلاف الواجب بل الواجب على الرجل أن يُقدِّم زوجته في النفقة على إخوانه لما روى أبو داوود في سننه (1691) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه الله عنه قَالَ : أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ أَوْ قَالَ زَوْجِكَ قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْتَ أَبْصَرُ " وحسنه الألباني في صحيح أبي داوود (1483) .
فإن أصر زوجكِ على عدم النفقة عليك فيما تحتاجين إليه فلكِ أن تأخذي من ماله ما يكفيك وولدك ولو بدون إذنه من غير إسراف ولا إفساد ؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَالَ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " رواه البخاري (5364) .
نسأل الله أن يُؤلف بين قلبيكما ، وأن ييسر أمركما ، والحمد لله رب العالمين .
تعليق