تزوج نصرانية بغير ولي ولا شهود
أردت أن أتزوج بزوجة ثانية ، ولصعوبة إقناع زوجتي ومجتمعي بهذه الرغبة ولعدم هدم بيتي وأسرتي من زوجتي الأولى ؛ لم أجد أنسب من الزواج بامرأة نصرانية قد تعرفت عليها ببلد أجنبي ، وقد أتممت زواجي بها كالآتي:
أفهمتها رغبتي بالزواج منها ، ووافقت أن تكون زوجة لي ، ولم يكن لها ولي : فأبوها نصراني ولن يقبل زواجها من مسلم ، وهو لا يهتم بأمرها على أية حال ، فأنكحتني نفسها بدون ولي وأخذت بالرأي القائل إنه يجوز للثيب أن تنكح نفسها.
وبما أننا تقابلنا فى بلد أجنبي لا أعلم فيه أحداً ليشهد النكاح فقد أخذت بالرأي القائل إن الشهادة (شهادة الإثنين) في الزواج يمكن أن يحل محلها الإعلان (فالمقصود واحد) فاتصلت هاتفياً بصديقين مخلصين وأعلمتهما بزواجي هذا كي أتم الإعلان عن الزواج ، وأعلمت أخرين بعد ذلك ، وأعطيتها صداقاً ، وأعلمتها أن هذا الصداق من حقها كزوجة ، وكان الصداق خاتماً من ذهب ، وأفهمتها أن هذا زواج وأن الله شاهد عليه ، وأعلمتها أنها كزوجة لي عليها أن تخلص لي كزوجة ولا تفعل معصية .
وقبلت الزواج بهذه الشروط ، وأتممنا الزواج ، وعاشرتها معاشرة الأزواج ، ومع ذلك فأنا أخشى الله عز وجل ، وأخشى أن يكون كل ما فعلت باطلاً وفي حكم الزنى ، ومؤخرا قد ابتليت ببعض البلاء فى عملي وزوجتي الأولى ، وأخشى أن يكون هذا عقاب الله لي .
ومع ذلك لا أرى ذنباً لزوجتي الثانية ، فهي نصرانية وقد ضحت بالكثير ، وتنازلت عن كثير من حقوقها لدي ، وتفهمت حالي ، وقبلت أن تكون زوجة لي ، وأطاعتني فيما طلبته منها.
أتمنى من الله عز وجل أن يكون زواجي الثاني هذا لا بأس به ، مع أني أعلم أنه يخالف شروط الزواج المجمع عليها ، ولكني أخذت برأي أئمة معتبرين ، فما رأي فضيلتكم؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
لا يجوز للمسلم أن يأخذ بما يشاء من أقوال ـ وإن كان قد قال بها بعض العلماء ـ فإنه
بذلك يكون متبعاً لهواه ، وليس متبعاً لشرع الله .
وإنما الواجب عليه - إن كان عنده القدرة - أن يأخذ بالقول الراجح الذي تؤيده الأدلة
الشرعية ، فإن كان لا يستطيع الترجيح بين الأقوال سأل من يثق في علمه ودينه ويعمل
بما يفتيه به .
ثانياً :
يشترط لصحة النكاح وجود ولي للمرأة ، ولا يجوز أن تتولى المرأة عقد النكاح لنفسها ،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) رواه أبو داود
(2085) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1839) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : (
أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ) رواه
أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"
.
ولا فرق في ذلك بين البكر والثيب .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" من شرط صحة النكاح : صدوره عن ولي ، سواء كانت المرأة بكراً أو ثيباً ؛ لقول
النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (21 /39) .
فإذا لم يرض والدها بهذا الزواج بسبب أنه لا يريد تزويجها من مسلم ، انتقلت الولاية
إلى من يليه من أوليائها كأخيها ثم عمها ، فإن امتنعوا جميعاً ، زوّجها رئيس المركز
الإسلامي في مدينتها ، فإن لم يوجد فإمام الجامع .
كما ذهب جمهور العلماء إلى أن النكاح لا يصح إلا بحضور شاهدين عقد النكاح ، لقوله
صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) رواه البيهقي (14086) وصححه
الألباني في "صحيح الجامع" (13515) .
وبعض العلماء يشترط الإعلان لصحة النكاح ، ويجب عند هؤلاء العلماء أن يكون الإعلان
قبل الدخول ، وإعلام رجلين لا يكون إعلاناً.
وعلى هذا ، فالنكاح الذي عقدته غير صحيح ، ويجب عليك أن لا تقربها إلا بعد تجديد
العقد وتصحيحه وفق شروطه الشرعية .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن مسلم تزوج بنصرانية بدون إذن وليها .
فأجابوا :
" عقد النكاح لا يصح إلا بولي وشاهدي عدل ، ولا يجوز للمرأة أن تعقد لنفسها ؛ لقوله
صلى الله عليه وسلم : (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وقوله صلى الله عليه وسلم :
(لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها) وعلى هذا فالعقد المذكور في
السؤال لا يصح ، ولا بد من تجديده بولي للمرأة .
والكتابية يزوجها والدها ، فإن لم يوجد أو وجد وامتنع ، يزوجها أقرب عصبتها ، فإن
لم يوجدوا أو وجدوا وامتنعوا ، يزوجها القاضي المسلم إن وجد ، فإن لم يوجد زوجها
أمير المركز الإسلامي في منطقتها ؛ لأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة دلت على
ذلك" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (18 /180-181) .
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن رجل تزوج بفتاة استرالية نصرانية في لندن
، وتولت الزوجة العقد بنفسها بدون ولي ، ولم يشر فيه إلى مقدار المهر ولم يحضره من
الشهود سوى رجل مسلم وامرأة نصرانية وهي أم الزوجة ، ويوجد في مجلس العقد بعض فتيات
نصرانيات وصديقات للزوجة مع مسجل العقود النصراني . وبعد أربع سنين أسلمت الزوجة
ورزقت منه بطفلين ، وتسأل عن صحة عقد نكاحها ، وإذا لم يكن صحيحاً فكيف الطريق إلى
تصحيحه ؟
فأجاب : " أما العقد الذي وصفتم فإنه غير صحيح لعدم وجود الولي ولعدم وجود الشاهدين
، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) . وأما عدم تسمية
الصداق في العقد فلا يخل .
والطريق إلى تصحيحه أن يحضر وليها لدى مأذون العقود ويعقد نكاحها لزوجها المذكور
بعد رضاها وإذنها ، ويحضره شاهدا عدل . فإن لم يكن لها ولي فوليها الحاكم الشرعي
فتأذن له بعقد نكاحها ، ولا شيء عليهما فيما مضى ، وأولادهما شرعيان ونسبهم من
أبيهم صحيح إذا كانا يعتقدان صحة النكاح ؛ لأن هذا من وطء الشبهة " انتهى .
"فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم" (10 /68) .
والله أعلم .