أعمل في الهند كخبير في الموارد البشرية ، وقد تم اختياري مؤخراً من قبل إحدى شركات التوظيف على أن أعمل لديهم منسقاً ، هذه الشركة تقوم بتزويد القطاعات المختلفة بالأيدي العاملة ذات الكفاءات والخبرات المطلوبة ، لذلك فهي تقدم الخدمات للقطاعات المختلفة مثل شركات الغاز والنفط والبناء والصناعة ... إلخ ، والمشكلة هي أننا أيضاً نقدم خدماتنا للبنوك وشركات التأمين ومصانع الخمور، بل إن هذه القطاعات تُعتبر من القطاعات الواعدة في الهند ، لذا فإن مديري في العمل يؤكد عليّ الاهتمام بهم.
فلا أدري ما موقفي تماماً..! هل أنصح طالبي التوظيف وأوجههم الى العمل في هذه الأماكن..؟ إن فعلت فسأكون قد ارتكبت إثماً؟ وإن لم أفعل فقد قصرت في عملي.. فما العمل؟ لكن معظم المتقدمين لطلب التوظيف من غير المسلمين ولا يهمهم سواءً كانت الأماكن التي سيعملون فيها بنوكاً او شركات تأمين ، فكل ما يهمهم هو أن يجدوا عملاً وكفى ، ولكن مع ذلك ما زال في نفسي حرج ، وأخشى أن آثم رغم ذلك كله.. فما نصيحتكم؟
الحمد لله.
العمل في البنوك الربوية وشركات التأمين ومصانع الخمور لا يجوز ، كما لا تجوز
مساعدتهم وإعانتهم على فعل المنكر ، سواء كان ذلك بتوجيه العاملين للعمل معهم ، أو
غير ذلك من صنوف الإعانة على ما حرم الله من العصيان .
وذلك لأن الله تعالى يقول : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
فكما حرم الله علينا معصيته ، حرم علينا أن نعين العاصي على المعصية .
وقد روى مسلم في صحيحه (2674) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ
لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ
أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ
مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) .
وقال المناوي رحمه الله :
"الدال على الخير كفاعله ، فإن حصل ذلك الخير فله مثل ثوابه ، وإلا فله ثواب دلالته
.
والدال على الشر كفاعله ؛ لإعانته عليه ، فله كفعله من الإثم ، وإن لم يحصل
بمباشرته" انتهى بمعناه من "فيض القدير" (3 /716-717) .
وعلى هذا : فتقديم الخدمات
بتيسير العمالة لهذه الهيئات والمؤسسات لا يجوز ، أما القطاعات الأخرى كشركات الغاز
والنفط ونحوها فلا بأس به .
وكون غالب المتقدمين من غير المسلمين لا يغير الحكم ؛ لأن هذه الإعانة على شيء حرمه
الله ونهى الخلق كلهم عنه ، والشي المحرم يكون محرماً على المسلمين وعلى غير
المسلمين .
فالكفار مخاطبون بأحكام الشريعة التي خوطب بها المؤمنون ، كما هو مذهب المحققين من
العلماء .
قال النووي رحمه الله :
" اِعْلَمْ أَنَّ الْمُخْتَار أَنَّ الْكُفَّار مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَة
الْمَأْمُور بِهِ وَالْمَنْهِيّ عَنْهُ , هَذَا قَوْل الْمُحَقِّقِينَ
وَالْأَكْثَرِينَ " انتهى .
وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله عَنْ خَيَّاطٍ خَاطَ لِلنَّصَارَى سَيْرَ حَرِيرٍ
فِيهِ صَلِيبُ ذَهَبٍ . فَهَلْ عَلَيْهِ إثْمٌ فِي خِيَاطَتِهِ ؟
فَأَجَابَ :
" نَعَمْ ، إذَا أَعَانَ الرَّجُلُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَانَ آثِمًا ؛
لِأَنَّهُ أَعَانَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ... فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي
الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعَاصِي فَكَيْفَ بِالْإِعَانَةِ عَلَى الْكُفْرِ
وَشَعَائِرِ الْكُفْرِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22 /141) .
وقال علماء اللجنة الدائمة :
" معلوم من الشرع المطهر أن الكفار مخاطبون بأصول الشريعة وفروعها ... فلا يجوز
للمسلم أن يعينهم على ترك ما أوجب الله عليهم " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة"
(14 /475).
وأيضا : أن هذه القطاعات يعم ضررها المسلم وغير المسلم ، فإعانة القائمين عليها
يلحق الضرر بالمسلمين أيضاً .
فلا يجوز لك إعانة أحد على فعل المنكر أو الدلالة عليه .
فالذي ينبغي عليك فعله أن ترشد طالبي العمل إلى العمل في الأنشطة المباحة ، فإن لم
يمكنك ذلك ، وكنت ملزماً بتوجيههم إلى العمل المحرم ، فعليك أن تتحول إلى عمل آخر
مباح .
ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله
خيراً منه .
والله أعلم .