الحمد لله.
الأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع محرم لها ،
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال (101520)
، (145413).
إلا أن العلماء استثنوا من ذلك : السفر الواجب المتعيِّن على المرأة ، كالهجرة من
بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام .
قال الإمام النووي :
" وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُج فِي غَيْر
الْحَجّ وَالْعُمْرَة إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَم ، إِلَّا الْهِجْرَة مِنْ دَار
الْحَرْب ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تُهَاجِر مِنْهَا إِلَى دَار
الْإِسْلَام وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَم ، وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ
إِقَامَتهَا فِي دَار الْكُفْر حَرَام إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ إِظْهَار الدِّين ،
وَتَخْشَى عَلَى دِينهَا وَنَفْسهَا ". انتهى من "شرح صحيح مسلم" (9/104)
وقال أبو العباس القرطبي :
" اتُفق على أنه يجب عليها أن تسافر مع غير ذي محرم إذا خافت على دينها ونفسها "
انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (11 /6).
وذلك " لأن القيام بأمر الدين واجب ، وما لا يتم الواجب إلا به واجب " ، قاله في
"مطالب أولي النهى" (3/433) .
وبناء على ذلك فإن كنت غير قادرة على إقامة شعائر الإسلام في هذا البلد بحرية تامة
، أو تخشين على دينك ونفسك من الفتن ، فيلزمك الهجرة إلى بلد تأمنين فيها على دينك
ونفسك ، ومصلحة الدين مقدمة على طاعة الوالدين ، كما قال تعالى : ( وَإِنْ
جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، فَلَا
تُطِعْهُمَا ، وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لقمان: 15] .
وأما إن كنت قادرة على إقامة شعائر الإسلام وتعيشين في هذه البلاد بأمان تام على
نفسك ، فالهجرة في هذه الحال تكون مستحبة لا واجبة ، وينظر جواب السؤال (47672)
، (13363).
وحينئذ لا يجوز لك السفر في هذه الحال لسببين : عدم وجود المحرم ، وعدم إذن الأم
بالسفر .
قال البهوتي :
" لَا يُسَافِرُ لِمُسْتَحَبٍّ إلَّا بِإِذْنِهِمَا ...؛ لِأَنَّ بِرَّ
الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ وَعَلَى
فَرْضِ الْكِفَايَةِ ". انتهى من"كشاف القناع" (6/322).
وعليك بمعاملة والدتك بالحسنى ، والرفق بها ، عسى الله أن يهديها للطريق المستقيم
على يديك ، وينظر جواب السؤال (103977)
، (27105).
والله أعلم