الحمد لله.
ثانياً:
ما حصل ويحصل معكم في بيتكم مع الأهل والأشقاء والشقيقات يحتمل أمرين :
الأول : أن تكون الأمور الجارية مع الجميع لها أسبابها الحسية من عدم توافق بين
والدك ووالدتك لاختلاف ثقافتهما أو تفاوت السن بينهما أو اختلاف بيئتهما أو غير ذلك
من الأسباب ، وما حصل لأخواتك هو بسبب تشهير بعض الناس في أسرتكم وتنفير التزوج
منها ، وهكذا الأمر في حال أشقائك يكون ما حصل لهم له أسبابه الملموسة المعروفة ،
وأن يكون ما حصل معك من أمراض له أسبابه الحسية وأنها تزول بالعلاج بالأدوية
المادية أو الشرعية ، فعليكم أولاً البحث عن الأسباب الحسية فإن وُجدت : فعلاج
الأمور يكون بوضع الحلول المناسبة لكل مشكلة ، ونرجو أن يكون هذا مجرد ابتلاء
وتؤجرون على الصبر عليه .
الثاني : أن تكون الأمور الجارية معكم ليس لها أسبابها الحسية ، فيكون الأمر دائراً
بين كونكم أصبتم بالسحر أو العين .
وتأثير السحر والعين على ما جرى ويجري معكم أمر غير مستبعد ؛ لأن الله تعالى جعل
للسحر والعين تأثيرات وأضراراً عظيمة ومنها ما حصل معك ومع أخواتك وإخوتك ، بل وقد
يصل الأمر إلى أشد من ذلك كأن يؤدي إلى الموت .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
" وقال المازري : جمهور العلماء على إثبات السحر وأن له حقيقة ، ونفى بعضهم حقيقته
وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة ، وهو مردود ؛ لورود النقل بإثبات السحر ، ولأن
العقل لا ينكر أن الله قد يخرق العادة عند نطق الساحر بكلام ملفق أو تركيب أجسام أو
مزج بين قوى على ترتيب مخصوص ، ونظير ذلك ما يقع من حذاق الأطباء من مزج بعض
العقاقير ببعض حتى ينقلب الضار منها بمفرده بالتركيب نافعاً .
وقيل : لا يزيد تأثير السحر على ما ذَكر الله تعالى في قوله ( يُفَرِّقُونَ بِهِ
بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ ) لكون المقام مقام تهويل ، فلو جاز أن يقع به أكثر من
ذلك لذكره . قال المازري : والصحيح من جهة العقل أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك ،
قال : والآية ليست نصّاً في منع الزيادة ولو قلنا إنها ظاهرة في ذلك " . انتهى من "
فتح الباري " ( 10 / 222 ، 223 ) .
وانظر حقيقة السحر وأنواعه جوابي السؤالين (
9432 ) و (
12587 ) .
وانظر في أنَّ مِن السحر ما قد يقتل جواب السؤال رقم (
1670 ) .
وللوقوف على الطرق الشرعية لعلاج السحر : انظر جوابي السؤالين (
11290 ) (
12918 ).
ثالثاً:
قد يكون ما أصابكم نتيجة إصابة بعينِ نفسٍ خبيثة ، فقد يكون جمال أخواتك تسبب في
إصابتهن بالعين ، وقد يكون كثرة عدد إخوانكم تسبب في إصابتهم بالعين ، فالنفوس
الخبيثة تحسد أصحاب النعمة ولو قلَّت ، فكيف أن تكون نعمٌ عند خصوم لها ومنافسين ؟!
.
فالعين حقٌّ ، وإصابتها وتأثيرها حقٌّ ، وقد تتسبب بالموت لمن يصاب بها ، وكل ذلك
لا يكون إلا بإذن الله وإرادته .
قال تعالى ( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ )
.
قال ابن كثير – رحمه الله - :
" قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما ( لَيُزْلِقُونَكَ ) : لينفذونك بأبصارهم ، أي:
ليَعِينونك بأبصارهم ، بمعنى : يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك ، وحمايته
إياك منهم ، وفي هذه الآية دليل على أن العيْن إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز
وجل ، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة " . انتهى من " تفسير
ابن كثير " ( 8 / 201 ) .
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (
الْعَيْنُ حَقٌّ ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ )
رواه مسلم ( 2188 ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : " وقد أخرج البزَّار من حديث جابر بسند حسن عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتي بَعْدَ قَضَاءِ
الله وَقَدَرِهِ بِالأَنْفُس ) قال الراوي : يعني : بالعين ، وقال النووي : في
الحديث إثبات القدَر ، وصحة أمر العين ، وأنها قوية الضرر " . انتهى من " فتح
الباري " ( 10 / 204 ) .
وقد ذكرنا في جواب السؤال ( 93230 )
أن العين تسبِّب أمراضاً عضوية ومشكلات مادية وزوجية وقطيعة ، فلينظر ؛ لتعلم أنه
قد يكون ما أصاب أهل بيتكم من قطيعة بين الوالدين ومشكلات في تزوج الإخوة والأخوات
وغير ذلك أنه قد يكون نتيجة إصابتكم بعينٍ من نفسٍ خبيثة لا تتقي الله تعالى ربَّها
.
وأما أمر علاج العيْن فهو قراءة المعوذات والتزام الأدعية الثابتة في السنَّة .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
" ومن جرب الدعوات والعُوَذ : عرف مقدار منفعتها ، وشدة الحاجة إليها ، وهي تمنع
وصول أثر العائن ، وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها ، وقوة نفسه ، واستعداده
، وقوة توكله وثبات قلبه ، فإنها سلاح ، والسلاح بضاربة " . انتهى من " زاد المعاد
" ( 4 / 170 ) .
وقال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله - :
" ويعالج المَعين مع ذلك بالرقى من الكتاب والسنة والتعوذ والدعاء " . انتهى من "
الآداب الشرعية " ( 3 / 60 ) .
ولتفصيل الكلام عن العين والحسد والفرق بينهما ، والوقاية والعلاج منهما : يرجى
النظر في أجوبة الأسئلة ( 20954 ) و
( 7190 ) و (
11359 ) و (
12205 ) .
على أنه إذا كان ممكنا لكم أن تبدلوا داركم التي
تسكونها ، وتنتقلوا إلى دار أخرى خير منها ، ولا سيما إن كانت في مكان يغلب فيه
الخير ، ووسط أناس صالحين : فإننا نصحكم بذلك ، وعسى أن يكون انتقالكم إلى هذه
الدار فاتحة خير لكم .
نسأل الله تعالى أن يكشف عنكم الكرب ، ويفرج عليكم الهم ، وأن ييسر لكم الأمر ، وأن
يجعل لكم مخرجاً ، ونسأله تعالى أن يشفيك ويعافيك وأن يجمع لك بين الأجر والعافية .
ونوصيكم بأخيكم الذي يصدر منه الكفر بأن تنصحوه بأنه قد وقع في الردة ، وأن عليه أن
يكفَّ لسانه عن سب ربِّه تعالى ، وأن عليه أن يضرع إلى ربه وخالقه بالدعاء أن يرفع
عنكم البلاء وأن يجعل لكم من أمركم يُسراً ، ولعلَّ الله تعالى أن يجعل من توبته
ودعائه سبباً لتفريج كربكم وإزالة همِّكم .
والله أعلم