الحمد لله.
وقد دل على ما سبق : حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله
عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ ،
وَمَهْرِ الْبَغِىِّ ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ ) رواه البخاري (2282) ومسلم (1567)
فانظر كيف حرم في هذا الحديث المال المكتسب من جهتين : من جهة بيع المحرمات ، ومن
جهة التكسب بطريق غير مشروع ، كالبغاء والكهانة ، ويقاس عليها حرمة المال المكتسب
بسبب الغناء واتخاذ المعازف . انظر : " أحكام المال الحرام " (ص/67)
وقد أجمع العلماء من المذاهب الفقهية كافة على هذا
الحكم الشرعي :
قال الإمام النووي رحمه الله :
" أجمعوا على تحريم أجرة المغنية للغناء " انتهى من " شرح مسلم " (10/231)
وقال ابن عابدين رحمه الله : " من السحت ما يأخذه أصحاب المعازف ، ومنها – كما في " المجتبى " ما تأخذه المغنية على الغناء " انتهى من " رد المحتار على الدر المختار " (6/424)
وأما تصدق هؤلاء المطربين والمغنين على الفقراء
والمساكين ، وقيامهم ببعض المشاريع الخيرية ومشاركتهم بها : فلا يعني أن ينقلب
الخبيث من مالهم أو حالهم : حلالا طيبا ، بل مالهم خبيث ، وإن تصدقوا منه ، وحالهم
في الغناء وما ذكرنا خبيث ، حتى وإن صلوا وصاموا وتصدقوا وحجوا ما شاؤوا ، فإن هذا
لا يحل لهم عملهم المحرم ، ولا يجعله طيبا ؛ بل الأمر كما قال الله تعالى : (فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرًّا يَرَهُ ) الزلزلة/7-8 .
بل أخطر من ذلك عليهم : أن الله جل جلاله غني عن الكسب الخبيث أن ينفق في سبيله :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ
تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ
إِلَّا الطَّيِّبُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا
لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ
) .
رواه البخاري (7430) ومسلم (1014) .
وفي لفظ للبخاري (1410) : ( وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ ) .
ولله در من قال :
سمعتك تبني مسجدا من خيانة *** وأنت بحمد الله غير موفق
كمُطعمة الزهاد من كد فرجها *** لكِ الويل ، لا تزني ، ولا تتصدقي
فالذي ينبغي أن ينصح به هؤلاء أن يسعوا إلى التوبة النصوح ، وتصحيح ما عليه من الحال والمقال ، أهم وأعظم من مجرد إنفاق هذه الأموال .
والله أعلم .