هل يأثم بسبب شعوره بالميل للرجال فقط من غير وقوعه في اللواط
قرأت في بعض المواضيع التي تتحدثون فيها عن الشذوذ و ما لا حظته لم يزدني إلا قنوطاً
أولا : فليغفر لي الله إن أسأت الأدب معه في موضوعي هذا و أعتذر مسبقا منكم إن قللت من احترامكم الأمر الذي صعقت به عندما قرأته هو أني مرتكب كبيرة أو مخطأ كوني شاذ
يا إلهي أصوم و أصلي و أقرا القرآن الكثير و الكثير من المشايخ في الله و بقولكم أن الشذوذ كبيرة علي أن أوقن أن جهنم تنتظرني......!!!!!!!!! و أن الله لا يحبني ......!!!!!!
الشذوذ ياعباد الله لا يعني اللواط أنا شاذ و لا أمارس اللواط لماذا يتوعدني الله بأشد العذاب . موضوع الشذوذ صعب جدا و ليس من السهل أن تتكلم فيه إلا إذا احسست به أنا لا اقول لك حلل لي اللواط بل لماذا تعتبرونه معصية أنا ولدت هكذا كيف أغير حبي من الرجال إلى النساء هل هذا سهل .هذا ليس زرا أضغط عليه لأتحول.. حتى تفهمني أكثر لو قلت لرجل طبيعي عليك أن لا تحب النساء من اليوم فصاعدا هل يستطيع........ لا حظ حكمة الله في الشباب الطبيعيين قال لهم غضو أبصاركم و لم يقل امتنعوا عن حب النساء ريثما تزوجتم لأن الله أعلم بأن هذا صعب..دائما ترهبوننا من الله و لم أجد يوما شيخا يقول إن صبرت علي هذا البلاء فلك من أجر كذا و كذا..يا إلهي نحن مطرودون من الكل لا أحد يحبنا بل يتقززون منا و يلعنوننا لماذا......نحن أتعس خلق الله علي الأرض أحيانا أبكي علي حالي خائف من يوم زفافي أنا أتقزز من النساء كيف تقول لي الحل هو الزواج أتزوج لأزداد هما و غما !!! الشواذ ليسو سواسية منهم من هو رجل طبيعي لكن يميل بعض الشيء إلى الرجال و منهم من لا يحب النساء و لكن يحب الرجال فقط و منهم من يحب المخنثين ..الموضوع طويل . تقولون أن الأمر ليس بيولوجي طيب لم اسمع في حياتي شاب تخلص من الشذوذ. أن أمسك نفسي عن اللواط ممكن من تغيير حبي من الرجال إلي النساء .....
ما في أحد يفهمنا أنتم تقولون أنه ليس طبيعي لأنه ينقض الإسلام في نظري لا ينقضه ربما خلقنا الله هكذا ليري من منا لا يمارس اللواط ومن منا يطلق لشهوته العنان نحن أكثر فتنة من الرجل الطبيعي نحو النساء أتدري لماذا؟ .....الرجل الطبيعي قد يكفيه الابتعاد عن الاختلاط بالنساء بالقضاء علي الفتنة أو غظ البصر أما نحن هل نغض أبصارنا من الرجال كيف أعامل أصدقائي حتي في المساجد أفتن!!!!!!!!!! بل حتى من الملتزم حسن الوجه ...! بل مجرد المصافحة !! هل تحسون بما أشعر به من تعاسة لجأت للمشايخ لعلهم يغيروا حياتي لكن دمرت حينما بينوا لي أني مذنب يا إلهي .....خلقت للعذاب في الدنيا و بعدها أنتقل لعذاب أشد!!!!!! يا شيخ سأكون سعيدا في حالة واحدة فقط ..و هي إذا علمت أنه ليس علي ذنب كوني شاذ و أن حبس النفس عن اللواط سيكون لي به أجر عظيم.... سأتلذذ بالمعاناة هذا كل ماعندي أرجو أن تطيل في الكلمات التي سترد بها علي لأننا أحوج الناس إلي المساعدة الكرب رفيقي الدائم ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء
الجواب
الحمد لله.
اعلم ـ يا عبد الله ـ أن الله جل جلاله أرحم بعباده من الوالدة بولدها ، بل هو أرحم
بهم من أنفسهم ، ولا يقدر أحد قدر رحمته إلا هو سبحانه ، ولو علم الكافر ما عند
الله من الرحمة ، ما أيس منها أحد من خلقه . وهذا أمر محكم ، معلوم من دين الإسلام
بالضرورة البديهية .
واعلم أيضا أن الله جل جلاله : ( اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ
النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) يونس/44، ( وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ
لِلْعَبِيدِ ) ، وأن الله ليس في حاجة إلى تعذيب من يعذبه ، إن هو أطاعه واتبع هداه
: ( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ
اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا )
ومن تمام منة الله على عباده ، ورحمته بهم : أنه لم يكلفهم إلا ما يقدرون عليه ؛
فما حرم عليهم شيئا ، إلا وفي طاقتهم تركه والاستغناء عنه . ولا أوجب عليهم أمرا ،
إلا وفي قدرتهم فعله والإتيان به ؛ قال تعالى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا
إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا
تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا
إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا
تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا
وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )
البقرة/286 .
ولما نزل قول الله تعالى : ( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ
فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ) ، شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وظنوا أنهم محاسبون ؛ أي :
معذبون ، على مجرد خطرات النفس ، والوساوس التي لا يقدرون على دفعها ؛ فأنزل الله
الآية التي ذكرناها أولا : ( لا يكلف الله نفسا .. ) بشارة لهم من الله بالتخفيف ،
لما وطنوا أنفسهم على قبول ما جاءهم من عند الله ، والخضوع له ، والرضى به .
روى مسلم في صحيحه (125) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ
يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ
وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: 284] ، قَالَ : فَاشْتَدَّ ذَلِكَ
عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَوْا رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا:
أَيْ رَسُولَ اللهِ، كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ، الصَّلَاةَ
وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ، وَقَدِ اُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ
الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ
: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ
رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) .
قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ، ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ
فِي إِثْرِهَا: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا
نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة: 285] ، فَلَمَّا فَعَلُوا
ذَلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : (لَا يُكَلِّفُ
اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة: 286] " قَالَ
: نَعَمْ (رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) [البقرة: 286] " قَالَ : نَعَمْ (رَبَّنَا وَلَا
تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) [البقرة : 286] قَالَ: نَعَمْ (وَاعْفُ
عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى
الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة : 286] قَالَ : نَعَمْ ) .
وفي رواية لمسلم أيضا (126) : ( قال [أي: الله تعالى ] : قد فعلتُ ) .
فانظر يا عبد الله : كيف كان قبولهم لما جاءهم من عندهم ربهم ، ورضاهم به : سببا في
التخفيف عليهم ، ورفع الأحمال والآصار عنهم .
وانظر كيف أن الله تعالى قد من على عباده ، فخفف عنهم ، ولم يحاسبهم على مجرد
الخاطر والوسواس ، وحديث النفس العابر الذي لا يقدرون له دفعا .
وفي صحيح البخاري (5269) ومسلم (127) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي
مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ ) .
والحاصل :
أن وجود ميل ما إلى معصية مما حرم الله على عباده ، سواء كانت من الزنا أو غيره ،
أو وجود نوع من الميل الشاذ ، ليس في حد ذاته إثما ، ولا هو موجب لعذاب الله ، ما
لم يسترسل العبد مع ذلك الميل المحرم ، أو يعزم على فعله ، فإذا استرسل معه ، أو
عزم على فعله ، أو تكلم به ، أو شرع في فعله : فقد فعل ما حرم الله عليه ، وما يقدر
هو على ألا يفعله ، وهذا هو محل التكليف ، ومناط العذاب الذي توعد الله به العصاة،
كما بين رسوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي .
وأما من جاهد نفسه ، ومنعها من هواها ومشتهاها ، فهذا قد وعده الله جناته ورضوانه ،
حتى ولو كانت تشتهي الذكران ، إما لغلبة طبع فاسد ، أو سبق معصية أثر في قلبه ألفها
، أو غير ذلك ؛ فهذا ممدوح مأجور على عمله ، معذور فيما عجز عنه ، ولم يقدر على
دفعه ؛ قال ابن القيم رحمه الله ، في حال من تعفف ، وكظم ما يجد من عشقه وهواه ،
لله :
"على أنه لا يدخل تحته حتى يصبر لله ، ويعف لله ، ويكتم لله ؛ وهذا لا يكون إلا مع
قدرته على معشوقه وإيثار محبة الله وخوفه ورضاه ، وهذا أحق من دخل تحت قوله تعالى :
(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ
الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) النازعات/40-41 ، وتحت قوله : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ
رَبِّهِ جَنَّتَانِ) ؛ فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا ممن آثر حبه
على هواه ، وابتغى بذلك قربه ورضاه" انتهى من "الداء والدواء" (573) .
وبهذا يتبين أن الجريمة المنكرة ، والذنب الشائن الفظيع : هو الوقوع في اللواط ،
وممارسة الشذوذ ، وأن الشروع في شيء من أسباب ذلك ، أو مقدماته : ذنب يلام عليه
العبد ، ويأثم به ، وفي مقدوره تركه ، والتخلص منه .
وأما إن كان مجرد حديث نفس ، أو خطرة عابرة : فالعبد لا يلام على مجرد ذلك ، ولا
يأثم به .
وإذا قدر أن شخصا ابتلي بشيء من الميل الزائد إلى النساء ، أو قدر من الشذوذ والميل
إلى الرجال ، أو ثبت أن الجينات يمكن أن يكون فيها شيء من ذلك ، مما لا يستطيع
المرء دفعه ولا التحكم به : فالمؤاخذة إنما تكون على القول والعمل ، لا على مجرد
ذلك الذي لا يملكه الإنسان .
وينظر الأجوبة رقم : (101169) ، (20068)
، (27176) .
والله أعلم .