الحمد لله.
أولا :
الواجب على المسلم أن يراقب لسانه ويحتاط لدينه فلا يتلفظ بما يضره ولا ينفعه ،
وآفات اللسان مهلكات ، ولا شيء أشد على المرء من لسانه ، قال الله تعالى : (مَا
يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) سورة ق /18 .
وروى البخاري (5996) ومسلم (5304) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ
بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا
بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) .
وروى الترمذي (2241) وصححه عن بِلَال بْن الْحَارِثِ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَحَدَكُمْ
لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا
بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ .
وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ
أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى
يَوْمِ يَلْقَاهُ ) .
وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وروى النسائي (3712) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَالَ إِنِّي
بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَإِنْ
كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا ) .
صححه الألباني في الإرواء (2576) .
وروى الترمذي (2541) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم
: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ : (
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى
وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟ ) .
صححه الألباني في " الصحيحة " (1122) .
ثانيا :
إذا تكلم العبد بكلمة منكرة ، مما فيه إثم أو عصيان ، أو تضمنت إساءة لدينه ، أو
لله ، أو لرسوله صلى الله عليه وسلم ؛ وهو لا يقصد أن يتكلم بشيء من ذلك ، بل سبق
بها لسانه دون أن يقصد إلى نطقها ، أو أكره على قولها ، أو نحو ذلك مما يقال فيه :
إن المتكلم لم يكن يقصد أن ينطق بنفس الكلمة ؛ فمثل هذا قد عفا الله لعباده عنه ،
ووضع عنهم إثمه ؛ قال الله تعالى : ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ
أَخْطَأْنَا ) البقرة/ 286 .
وروى ابن ماجة (2043) عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ
عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) .
صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَهُوَ حَدِيث جَلِيل , قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ نِصْف
الْإِسْلَام , لِأَنَّ الْفِعْل إِمَّا عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ ، أَوْ لَا ,
الثَّانِي مَا يَقَعُ عَنْ خَطَأٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ إِكْرَاهٍ ؛ فَهَذَا
الْقِسْم مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقٍ. وَإِنَّمَا اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ : هَلْ
الْمَعْفُوُّ عَنْهُ الْإِثْم أَوْ الْحُكْم أَوْ هُمَا مَعًا ؟ وَظَاهِر الْحَدِيث
الْأَخِير , وَمَا خَرَجَ عَنْهُ كَالْقَتْلِ فَلَهُ دَلِيل مُنْفَصِل " انتهى من
"لفتح الباري" (5/161) .
وقال علماء اللجنة :
" معناه : أن الله تعالى أكرم نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في أمته ، بأن لا
يؤاخذ أحدا منهم ارتكب محظورا ، أو ترك واجبا ؛ خطأ أو نسيانا ، لا يكون بذلك في
حكمه تعالى آثما " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (4 /401) .
ثالثا:
من تكلم بكلمة فيها إساءة أو إثم ، أو ردة والعياذ بالله ؛ وهو يعلم ما في هذه
الكلمة من الإساءة أو الإثم أو الردة ؛ إلا أنه لم يقصد أن يرتد بذلك ، إنما تكلم
بها على وجه العبث ، أو اللهو واللعب والسخرية ، أو لنيل شهوة أو غرض من أغراض
الدنيا : وقع عليه حكم ما نطق به ، ولو ادعى أنه هازل غير جاد . قال الله تعالى : (
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ
أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا
قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) التوبة / 65 – 66 .
يقولون عند الاعتذار : إنما نتكلم بكلام لا قصد لنا به ولا قصدنا الطعن والعيب .
فقال اللّه تعالى : ( قل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) فإن
الاستهزاء باللّه وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين ؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم
اللّه وتعظيم دينه ورسله ، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد
المناقضة .
"تفسير السعدي" (ص 342-343) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وبالجملة : فمن قال أو فعل ما هو كفر كَفَرَ بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا ؛ إذ
لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله " انتهى من "الصارم المسلول" (ص 184) .
وقال ابن نجيم رحمه الله :
" مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا كَفَرَ عِنْدَ
الْكُلِّ وَلَا اعْتِبَارَ بِاعْتِقَادِهِ "
"البحر الرائق" (5/134) . وينظر: "الفتاوى الهندية" (2/275-276) .
وقال علماء اللجنة الدائمة :
" من استهزأ بدين الإسلام أو بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كإعفاء اللحية وتقصير الثوب إلى الكعبين أو إلى نصف الساقين وهو يعلم ثبوت ذلك -
فهو كافر ، ومن سخر من المسلم واستهزأ به من أجل تمسكه بالإسلام فهو كافر ؛ لقول
الله عز وجل: ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ
* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2 /44) .
وسئل علماء اللجنة :
بعض الناس يقول الكلام قد يؤدي إلى الكفر أو الفسق ، ويقول : إنني أمزح ، فهل مزاحه
به صحيح في رفع الحرج أم لا ؟
فأجابوا : " يحرم المزح تحريما شديدا بما فيه كفر أو فسق ، قال الله تعالى : (
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ
أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا
قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) … الآية ، وتجب التوبة من ذلك العمل
والاستغفار ، عسى الله أن يتوب على فاعله " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (2
/50) .
وأما إن كان قائل ذلك جادا ،
قاصدا لما يقوله ؛ فالأمر فيه واضح ، ووقوع مقتضى كلامه عليه مما لا يحتاج إلى شرح
وبيان .
رابعا :
الواجب عليك الآن أن تتوب إلى الله توبة نصوحا ، إن كنت وقعت في شيء من ذلك عن قصد
إلى نطقه ، وذكر لمعناه ، فتب إلى الله تعالى ، وأمسك لسانك عن مثل ذلك مما يغضب
ربك ، واندم على ما سلف من ذلك ، وحاذر منه فيما يستقبل من أمرك ، وأقبل على الله
تعالى بالطاعات ، واستكثر منها : ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ
وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ
ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ ) هود/114-115 .
وينظر جواب السؤال رقم (7810)، (42506)
.
ولا تيأس من روح الله وإن
عظم ذنبك وفحش جرمك ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .
وتذكر دائما قول الله تعالى :
( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن
رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) الزمر/ 53 .
ويراجع جواب السؤال رقم : (101873)
، (174401) .
والله تعالى أعلم .