الحمد لله.
ثالثاً:
وأما قوله تعالى ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا ) وظن صديقك أنه يتعارض مع قتل بعض
الرسل عليهم الصلاة والسلام : فمما لا يسلم له ؛ لأن المقصود بالآية نصرة من يقاتل
منهم – عليهم السلام – في معارك مع أعدائهم .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - : " وقد حقق العلماء أن غلبة
الأنبياء على قسمين : غلبة بالحجة والبيان وهي ثابتة لجميعهم ، وغلبة بالسيف
والسنان وهي ثابتة لخصوص الذين أُمروا منهم بالقتال في سبيل الله ؛ لأن من لم يؤمر
بالقتال ليس بغالب ولا مغلوب ؛ لأنه لم يغالب في شيء ، وتصريحه تعالى بأنه كتب أن
رسله غالبون شامل لغلبتهم من غالبهم بالسيف - كما بينَّا أن ذلك هو معنى الغلبة في
القرآن - وشامل أيضا لغلبتهم بالحجة والبيان ، فهو مبيِّن أن نصر الرسل المذكور في
قوله ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا ) الآية غافر/ 51 ، وفي قوله ( وَلَقَدْ
سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ
الْمَنْصُورُونَ ) الصافات/ 171 ، 172 أنه نصرُ غلبة بالسيف والسنان للذين أُمروا
منهم بالجهاد ؛ لأن الغلبة التي بين أنها كتبها لهم أخص من مطلق النصر ؛ لأنها نصر
خاص ، والغلبة لغة القهر ، والنصر لغة إعانة المظلوم ، فيجب بيان هذا الأعم بذلك
الأخص ... " انتهى من " أضواء البيان " ( 1 / 211 ، 212 ) .
رابعاً:
وأما المسألة الثالثة : فمعالمها واضحة في اعتقاد أهل السنَّة والجماعة وليس فيها
إشكال عند من يعمل بالنصوص الواردة في الشرع جميعها ، وملخص ذلك : أن من الذنوب
والمعاصي ما قد توعد الله تعالى فاعلها من المسلمين بأنه " لا يدخل الجنة " أو أنه
" لا يراح رائحتها " أو أن " الجنة عليه حرام " أو أنه " خالد في جهنم " وغير ذلك
من ألفاظ الوعيد التي ظاهرها أنه لا يدخل الجنة البتة ، بل هو خالد في نار جهنم ،
ولكن هذا الظاهر قطعاً ليس هو المراد ؛ فقد بينت النصوص الأخرى أن هذه الذنوب قابلة
للمغفرة يوم القيامة وأنها لا تخلِّد بذاتها أصحابها في النار ، وأن ألفاظ الوعيد
السابق ذِكرها لا تعني الخلود الأبدي في النار ولا التحريم الأبدي للجنة ، ومن هنا
قال العلماء " الخلود خلودان : خلود للكفار وهو أبدي ، وخلود للمسلمين وهو طول
المكث " ، وقالوا " : تحريم الجنة تحريمان : تحريم أبدي على الكفار ، وتحريم مؤقت
للمسلمين أصحاب الذنوب والمعاصي " ، وهذا كله في حال أن يُعاقب الله تعالى أصحاب
الذنوب عليها ، وإلا فإنه قد يغفرها لهم كما جاء في نصٍّ محكم من القرآن ، وهو قوله
تعالى ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ
لِمَن يَشَاءُ ) النساء/ 48 و 116 ، وبه يُعلم أنه لا إشكال فيما ذُكر من نصوص
الوعيد بفضل الله وتوفيقه .
قال ابن خزيمة – رحمه الله - : " كل وعيد في الكتاب والسنة لأهل التوحيد فإنما هو
على شريطة أي : إلا أن يشاء الله أن يغفر ويصفح ويتكرم ويتفضل فلا يعذب على ارتكاب
تلك الخطيئة ؛ إذ الله عز وجل قد خبر في محكم كتابه أنه قد يشاء أن يغفر ما دون
الشرك من الذنوب في قوله تعالى ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) " انتهى من " كتاب التوحيد " ( 2 /
869 ) .
وانظر – للمزيد – أجوبة الأسئلة (
31174 ) و (
14627 ) و (
163938 ) ففيها
بيان معنى النصوص الواردة في سؤالك وغيرها .
خامساً:
أما المسألة الرابعة وهي الموقف من اختلاف الروايات في العبادة الواحدة كالصلاة
الإبراهيمية : فقد سبق بيانه في جواب السؤال رقم (
140759 ) ، فراجعه
.
سادساً:
وأما المسألة الخامسة وهي قوله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن العرش ياقوتة حمراء :
فهذا أولاً لم يرو عن ابن عباس رضي الله عنهما فيما وقفنا عليه من روايات ، وثانياً
: لم يصح في الباب شيء عن النبي صلى الله عليه ولا عن صحابي ، وما صحَّ منه عن
تابعي فليس بحجة في دين الله تعالى .
روى أبو الشيخ في كتابه " العظمة " ( 2 / 581 ) عن إسماعيل بن أبي خالد قال : سمعت
سعد الطائي يقول : " العرش ياقوتة حمراء " . انتهى .
وروى ابن أبي شيبة في كتابه
" العرش وما روي فيه " ( ص 413 ) عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ :
أُخْبِرْتُ أَنَّ الْعَرْشَ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ .
انتهى
قال الدكتور محمد بن خليفة التميمي – وفقه الله – بعد أن ذكر للأثر طرقاً متعددة -
: " وجميع هذه الطرق مقطوعة الإسناد ، ولم يثبت شيء من ذلك فيما صح عن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أما المقاطيع - يعني : أقوال التابعين - : فليست حجة
في مسائل عقدية ، ولا يثبت بها حكم عقدي ، والله أعلم " . انتهى .
ونرجو أن نكون قد وفقنا في
بيان ما استشكله صديقك من دين الله تعالى ، ونرجو أن يكون ذلك بداية طيبة له ليكون
مدافعاً عن دين الله تعالى حامياً لحماه ، وليعلم أن أعداء الإسلام ما فتئوا يبحثون
عما يظنونه مجالاً للطعن في نصوص الشرع ، ثم لا يلبث أحدهم أن يرتد عن مطلبه خاسئا
حسيرا ، لم يظفر منه بشيء ، ومن كان منهم عاقلا منصفا ، أداه بحثه إلى اليقين بما
في هذا الدين من الحق والنور المبين .
نسأل الله تعالى أن يوفقكما للعلم النافع والعمل الصالح .
والله أعلم