الحمد لله.
ثانياً:
أما أحاديث التفضيل بين صلاة الجماعة وصلاة الفذ ، فليس فيها تعرض لحكم صلاة
الجماعة ، فهذا قد علم بأدلة أخرى كثيرة ، لكن فيها دليل على صحة صلاة المنفرد .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " واستدل من قال بأنها سنة بقوله صلى الله عليه
وسلم: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة فقالوا إنه قال: أفضل
والأفضل ليس بواجب.
ولكن هذا الاستدلال ضعيف جدا؛ لأن المراد هنا: بيان ثواب صلاة الجماعة ، وأن أجرها
أفضل وأكثر، لا حكم صلاة الجماعة ، وذكر الأفضلية لا ينفي الوجوب .
ألا ترى إلى قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب
أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم )
الصف/10 - 11 ، يعني: أخير وأفضل، فهل تقولون: إن الإيمان بالله والجهاد في سبيله
سنة؟ لا أحد يقول بذلك.
وهل تقولون: إن صلاة الجمعة سنة، لأن الله قال: ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي
للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون
). [ الجمعة ]
الجواب : لا أحد يقول بأن صلاة الجمعة سنة " انتهى من " الشرح الممتع " ( 4/ 138) .
وقال ابن رجب رحمه الله: "
وقد احتج كثير من الفقهاء ؛ بأن صلاة الجماعة غير واجبة بهذه الأحاديث الَّتِيْ
فيها ذكر تفضيل صلاة الجماعة عَلَى صلاة الفذ ، وقالوا: هِيَ تدل عَلَى أن صلاة
الفذ صحيحة مثاب عَلَيْهَا ...
وهذا استدلال لا يصح، وإنما استطالوا بِهِ عَلَى داود وأصحابه القائلين؛ بأن صلاة
الفذ لغير عذر باطلة ، فأما من قَالَ : إنها صحيحه ، وأنه آثم بترك حضور الجماعة،
فإنه لا يبطل قوله بهذا، بل هُوَ قائل بالأحاديث كلها، جامع بينها، غير راد لشيء
مِنْهَا " انتهى "شرح فتح الباري لابن رجب" (4/34)
والحاصل أن الأحاديث التي جاءت في المفاضلة لا تدل على استحباب الجماعة ، بل هي
دليل لصحة صلاة المنفرد .
ثم إن أدلة الشرع تؤخذ بجملتها لا من دليل واحد، وأكثر الأدلة تدل على الوجوب.
قال ابن المنذر رحمه الله: وفي اهتمامه صلى الله عليه وسلم ؛ بأن يحرق على قوم
تخلفوا عن الصلاة بيوتهم أبين البيان على وجوب فرض الجماعة ، إذ غير جائز أن يحرق
رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخلف على ندب ، وعما ليس بفرض ، ويؤيد ما قلنا
حديث أبي هريرة عن أبي الشعثاء المحاربي : ( أنه كان مع أبي هريرة ، فخرج رجل من
المسجد بعدما أذن المؤذن ، فقال أبو هريرة : أما هذا ، فقد عصى أبا القاسم صلى الله
عليه وسلم ) ولو كان المرء مخيرا في ترك الجماعة ، أو إتيانها لم يجز أن يقضي من
تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره ، ولما أمر الله عز وجل بالجماعة في حال الخوف ، دل
على أن ذلك في حال الأمن أوجب.." . انتهى من "الأوسط" (134/4) .
والله أعلم