طلق زوجته ليثبت لأمه وأخته أنه لا يخاف منها وهو غير مريد للطلاق
لقد تزوجت من مسلمة متحولة للإسلام حديثًا، وبعد أسبوعين من الزواج ، بدأت المشاكل بينها وبين أسرتي ، حيث إني أعيش مع أختي وأمي .
بعد شهر تقريبًا من الزواج ، اعتقدت أختي وأمي أني أخاف من زوجتي وأنها تتحكم بي واتهماني بضعف الشخصية أمام زوجتي ، فقلت لهما : أني لو طلقتها أمامكما أتقتنعان بأني لا أخاف منها ولا أعيش تحت سيطرتها، فردا عليّ بأني لا أقدر أن أفعل ذلك فطلقت زوجتي أمامهما بالرغم من أني أحب زوجتي حبًا شديدًا، ولكني فعلت ذلك لأغير صورتي أمام أمي وأختي، فهل يقع هذا الطلاق؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
ينبغي أن تعلم أن الطلاق شرع من شرائع الله ، وحد من حدوده التي بينها لعباده ،
وحذر عباده من تعديها ، أو التلاعب بها ؛ فقال تعالى ، في معرض بيان الطلاق وأحكامه
: ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ
وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ
يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ
اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ
فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ
زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا
إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) البقرة/229- 230 .
وقال تعالى ، في أول سورة الطلاق : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا
اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا
أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ
بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) الطلاق/1 .
فبيَّن الله تعالى أن مخالفة أحكامه التي شرعها لعباده تعدِّ من العباد لما أحل
الله لهم ، وظلم لأنفسهم بفعلهم ذلك .
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من عبث العابثين ، ولعب اللاعبين بهذا الحد من حدود
الله ؛ فروى النسائي في سننه (3348) عن مَحْمُود بْن لَبِيدٍ رضي الله عنه قَالَ :
" أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ
امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا ، فَقَامَ غَضْبَانًا ، ثُمَّ قَالَ :
( أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟!! ) ، حَتَّى قَامَ
رَجُلٌ وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا أَقْتُلُهُ " ؟!
قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام (1083) : " رواته موثوقون " .
وعَنْ أَبِى مُوسَى رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم : ( مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ : طَلَّقْتُكِ ،
رَاجَعْتُكِ ، طَلَّقْتُكِ ، رَاجَعْتُكِ ) .
رواه البيهقي في السنن الكبرى (7/322) ، وجوَّد إسناده ابن تيمية في " بيان الدليل
على بطلان التحليل " ، وقال ابن القيم : إسناده حسن ، وضعفه الألباني في السلسلة
الضعيفة .
ثانيا :
إذا كنت تلفظت بلفظ الطلاق الصريح ، فقلت : أنت طالق ، أو مطلقة ، أو طلقتك ، أو
زوجتي طالق ، أو فلانة طالق أو مطلقة ، أو طلقتها ، فقد وقعت عليك طلقة واحدة ، ولك
أن تراجع زوجتك ما دامت في العدة .
وذلك أن الطلاق الصريح لا تشترط فيه النية ، بل يقع طلاق الهازل كما يقع طلاق الجاد
.
قال ابن قدامة رحمه الله : " وإذا أتى بصريح الطلاق لزمه ، نواه أو لم ينوه " .
انتهى من "المغني" (8/ 280) .
وانظر جواب السؤال رقم (44038)
.
ثالثا :
ينبغي أن تعالج المشاكل التي بين زوجتك وأسرتك بالحكمة ، وأن تعطي لكل ذي حق حقه ،
وقد أخطأت والدتك وأختك في سكوتهما عن الطلاق وعدم تحذيرك منه ، ولعلهما أدركا الآن
خطر تصرفهما وتحريضهما .
وليس عيبا أن يحب الرجل زوجته ، ويسعى لإرضائها ، ما دام قائما بحقوق الآخرين .
وننصحك أن تجتهد في إيجاد مسكن مستقل لزوجتك ، تعيش فيها بعيدا عن أسرتك ، وليكن
قريبا من مكان إقامة أسرتك ، لتجمع بين حقهم عليك ، وعشرتك لزوجتك بالمعروف .
نسأل الله لك العون والتوفيق .
والله أعلم .