باع بيعاً محرماً من سنة فهل يلزمه رد البيع؟
كنت في حاجة للمال ، وكان لي ذهب فبعته لأخي لأحصل على المال ، وفي هذا الوقت كان سعر الذهب ينخفض يوما بعد يوم ، ثم علمت بعد ذلك أن تأخير سداد الثمن الذهب عن وقت البيع ربا ، ولكني وقتها لم أكن أعلم هذا الحكم ، وقد بعت لأخي في يوم الأربعاء واستلمت منه النقود يوم الأحد ولكن بسعر يوم الأربعاء ، وبالطبع قد انخفض سعر الذهب عن يوم الأربعاء .
فماذا أفعل ؟ هل أعيد إلي أخي الزيادة التي أظن أنها ربا؟
علما بأن أخي قد باع الذهب هو الآخر ، أو تصرف فيه بعد فترة ، وكل هذا حدث منذ أكثر من سنة .
الجواب
الحمد لله.
لا يجوز بيع الذهب مع تأجيل استلام ثمنه من النقود ، بل يجب استلام الثمن في مجلس
العقد ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةُ
بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، يَدًا بِيَدٍ ، فَإِذَا
اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا
بِيَدٍ) رواه مسلم (1587) .
قال ابن المنذر : " أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا
قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد " انتهى من "المغني" (4/192) ، وينظر جواب السؤال
(127218) ، (22869) .
فالعقد الذي تم بينك وبين أخيك عقد فاسد ، والأصل في العقد الفاسد أن لا تثبت فيه
الملكية ، بل يلزم البائع رد الثمن ، والمشتري رد السلعة ، إلا إذا تعذر الرد .
قال شيخ الإسلام : " فأما المقبوض بعقد فاسد كالربا والميسر ونحوهما ، فهل يفيد
الملك؟ على ثلاثة أقوال للفقهاء :
أحدها : أنه يفيد الملك ، وهو مذهب أبي حنيفة .
والثاني : لا يفيده ، وهو مذهب الشافعي وأحمد في المعروف من مذهبه .
والثالث : أنه إن فات أفاد الملك ، وأن أمكن رده إلى مالكه ولم يتغير في وصف ولا
سعر لم يُفد الملك ، وهو المحكي عن مذهب مالك ". انتهى من " مجموع الفتاوى " (29
/327) .
والقول الثالث : هو ما اختاره شيخ الإسلام .
فإذا أمكن التراد بين المتعاقدين بعقد فاسد وجب ذلك ؛ لما رواه مسلم (1594) عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ : أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ ، فَقَالَ : مَا هَذَا التَّمْرُ مِنْ تَمْرِنَا .
فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِعْنَا تَمْرَنَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ
مِنْ هَذَا .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (هَذَا الرِّبَا فَرُدُّوهُ ، ثُمَّ
بِيعُوا تَمْرَنَا وَاشْتَرُوا لَنَا مِنْ هَذَا) .
قال النووي : "هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوض بِبَيْعٍ فَاسِد يَجِب رَدّه
عَلَى بَائِعه , وَإِذَا رَدَّهُ اِسْتَرَدَّ الثَّمَن" انتهى من "شرح صحيح مسلم"
(11/22) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي : " إذا أمكن المتعاقدين ترجيع المقبوض بعقد فاسد
والرجوع إلى الصحة وجب ذلك ". انتهى من " الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة" ( ص
181).
وأما إذا تعذر التراد بينهم لكون أحدهم قد تصرف فيما قبضه ، ففي هذه الحال لا يلزم
التراد على أرجح قولي العلماء .
وقد نقل الشيخ عبد الرحمن السعدي ترجيح هذا القول عن شيخ الإسلام ابن تيمية .
وقال : " فالبائع بيعاً فاسداً قد أقبض المشتري المبيع وقد تعوَّض عنه ، ورضي
بانتقاله إليه وتمليكه إياه ، فالعقد فاسد وهما آثمان على ذلك ، ولكن الرضى حاصل ،
فقد ملَّكه ذلك المبيع وأذن له بمقتضى هذا أن يتصرف فيه لنفسه ، وله جميع ما ترتب
عليه من نماء وكسب وغيره ....
فنُعمل الأمرين : نحرِّمه ونؤثمه على نفس العقد الذي حرمه الشارع ، وننفذ التصرفات
بعد ذلك ، ونقر ملكه للمشتري ...
ويوضحه أيضاً : أن ترجيعه بعد المدة الطويلة في غاية المشقة والصعوبة ، وربما تعذر
ذلك بالكلية ، فكيف نسلسل إبطال التصرفات الكثيرة ، وفي ذلك من الحرج ما تنفيه
الشريعة ".
انتهى من " الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة" ( ص 179).
والحاصل : أنه لا يلزمك رد المال الذي أخذته لأخيك ، بل تستغفر الله وتتوب إليه عما
بدر منك ، وتحرص في مستقبل أمرك على معرفة الحكم في معاملاتك المالية قبل الإقدام
عليها .
والله أعلم