أنا أمكث في أمريكا ، مسجد مدينتنا يحرص على تهيئ النشاطات لخدمة الجالية هنا، لكن أشعر أن كل شيء مبرمج ، وقد يكون الامر لا حاجة له ، أو قد لا يجوز ، مثلا صلاة الفجر ، والمغرب ، والعشاء مبرمجة أن تكون ١٥ دقيقة دائماً ، وإن صلى الامام خلاف ذلك تراجعه الإدارة وربما تراجعه بشكل لا يلق بمقام الإمام ، وصل الأمر أننا إذا تأخرنا عن الصلاة يقال : لا بأس فإن الإمام قد يكون في الركعة كذا وكذا ، أحد أصدقائي حسب تقسيم صلاة العشاء فإنها دائماً ٥ دقائق أول ركعة ، ٥ دقائق ثاني ركعة ٥ ، دقائق آخر ركعتين . فهل هذا يجوز أن تكون الصلاة مقطعة هكذا ومفروض على الإمام أن يلتزم ب ١٥ دقيقة دائماً؟
الحمد لله.
ينبغي على المسلم – إماما كان أو مأموما – أن يحرص على أن يصلي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ؛ عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) رواه البخاري (631) ، وأن لا يحدث في أمر الصلاة خاصة ما لا أصل له في دين الله ، ولم يكن عليه عمل الناس من قبل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والأفضل للإمام أن يتحرى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يصليها بأصحابه ، بل هذا هو المشروع الذي يأمر به الأئمة ... فينبغي للإمام أن يفعل في الغالب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في الغالب ، وإذا اقتضت المصلحة أن يطيل أكثر من ذلك ، أو يقصر عن ذلك : فعل ذلك ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يزيد على ذلك ، وأحياناً ينقص عن ذلك " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/315-318) .
وفيما ذكر عن حال الصلاة في المسجد المشار إليه خلاف للسنة في أمور ؛ فمن ذلك :
أولا :
برمجة كل صلاة على أن تكون بتوقيت محدد معين مخالف ولا شك للسنة النبوية ، وهو مع ذلك أمر محدث لم يكن من عمل من مضى من السلف ، ولا يعرف عن أئمة الهدى وعلماء المسلمين على مر العصور – فيما نعلم – شيء من ذلك ، بل المعروف خلافه .
ثانيا :
جعل قدر صلاة الفجر مساويا لقدر صلاة المغرب والعشاء ، مخالف للسنة المحفوظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله أن يطيل في الفجر ويتوسط في العشاء ويخفف في المغرب ؛ كما روى النسائي (982) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ ، قَالَ سُلَيْمَانُ : كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ ، وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ ، وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطُوَلِ الْمُفَصَّلِ " .
وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .
راجع جواب السؤال رقم : (162900) .
ثالثا :
جعل الركعة الأولى من صلاة العشاء أو غيرها من الصلوات ، على قدر الركعة الثانية منها ، وضبط ذلك بالدقائق ، أمر مُحدث مخالف للسنة أيضا ؛ حيث كان غالب حال النبي صلى الله عليه وسلم أنه يطيل في الركعة الأولى ما لا يطيل في غيرها ، راجع جواب السؤال رقم : (171060)
رابعا :
إلزام الإمام بالصلاة على صفة تخالف المحفوظ في السنة ، ومحاسبته إذا خالف تلك الصفة ، فيه – مع خلاف السنة – الحط من منزلة إمامكم في الصلاة ، وإلزامه بما لا يلزمه ، وخروج بالأمر عن حال العبادة وشأنها ، وإكرام المتقدم بين يدي المصلين فيها ، والذي ينبغي أن يكون من أهل القرآن ، أو أن يكون أكثر المصلين قرآنا ، خروج من ذلك كله ، إلى حال الوظائف الإدارية الروتينية المحضة ؛ فهي وظيفة ، لها قيودها وأعباؤها التي ربما يتحملها الإمام ، لأجل ما يأتيه منها من الراتب والمعاش .
والذي ينبغي عليكم أن تناصحوا إدارة المسجد , وتتفاهموا معهم حول ذلك الأمر ، بالحكمة والرفق ، من أجل الوصول بالمسجد إلى أحسن حال من مراعاة السنة ، والقيام بها .
وأما تحديد الأوقات بين الأذان والإقامة لكل صلاة بما تتحقق به المصلحة العامة ، فلا يظهر لنا حرج فيه ، بل كثير من المساجد تفعل ذلك ، ضبطا لحال الإقامة فيها ، وتعريفا للناس بموعد الصلاة حتى لا تفوتهم .
وينظر لبيان ذلك جواب السؤال رقم : (160000) .
والله تعالى أعلم .