يجوز حلق اللحية أو تخفيفها إذا اقتضى العلاج ذلك
شخص نحسبه على خير - والله حسيبه - مصاب باكتئاب ، تصاحبه حالة من الاضطراب النفسي السلوكي ، تسمى اضطراب نتف الشعر Trichotillomania ، يصاحبه في بعض الفترات تمرير الشعر بين شفتين ، أو ثنيه عدة ثنيات بين الأصابع ، أو ممكن يصل إلى أكله ،
هذا الشخص عرف بإطالته للحيته منذ زمن تطبيقا للسنة ، لكن وبعد إصابته بهذا المرض خفت لحيته خاصة ، وبدأت تظهر بها فراغات بسبب النتف .
هل يجوز لي كطبيب أن أطلب منه حلق لحيته أو تخفيفها مؤقتا كجزء من العلاج ؟
وهل يجوز له حلقها أو تخفيفها مؤقتا الى أن يشفى بإذن الله من هذا الاكتئاب ؟
الجواب
الحمد لله.
لا نرى حرجا شرعيا في تخفيف لحية المريض النفسي أو حلقها ، إذا تحقق الطبيب ، أو
غلب على ظنه ، أن الحلق سيكون سببا في العلاج والشفاء بإذن الله تعالى ، وذلك
للأدلة الآتية :
الأمراض النفسية تصنف في الطب الحديث والقديم ضمن قائمة الأمراض الحقيقية التي
تعتري الإنسان ، وتخرجه عن طور الاعتدال البدني أو النفسي إلى الخلل والاضطراب ،
وليس كما يظن بعض الناس أن اعتبار العارض النفسي مرضا ، مبالغةٌ لا ترقى إلى درجة
الحرج المعروفة في جميع الأمراض .
ولهذا قرر الفقهاء في كثير من المواضع رفع الحرج عن " الموسوِس "، وهو أحد أنواع
الأمراض النفسية ، فقد جاء في " رد المحتار " قوله : " وعن الليث : لا يجوز طلاق
الموسوس قال : يعني المغلوب في عقله ،. وعن الحاكم : هو المصاب في عقله ، إذا تكلم
يتكلم بغير نظام " انتهى.
وقد سبق تقرير ذلك في موقعنا في الأرقام الآتية : (127870) ، (39684) .
بل قالوا إن المبتلى بالوسواس يجوز له تتبع الرخص ، إذا كان في الرخصة علاج وشفاء
له من حالته تلك ، فجاء في " إعانة الطالبين " (4/250) للدمياطي الشافعي : " الأولى
لمن ابتلي بوسواس : الأخذ بالأخف والرخص ؛ لئلا يزداد ، فيخرج بسبب زيادة الوسواس
عن الشرع ، مثلا ابتلى بالوسواس في النية في الوضوء ، أو بقراءة الفاتحة خلف الإمام
، وصار يصرف أكثر الوقت في الوضوء أو في الصلاة ، فله أن يترك النية ، ويقلد الإمام
أبا حنيفة فيه ، فإنها سنة عنده ، أو يقلده في ترك الفاتحة خلف الإمام ، حتى يذهب
عنه الوسواس " انتهى .
ولما رفع الله عز وجل الحرج عن المريض ، فقال سبحانه : ( وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ
حَرَجٌ ) النور/61، وجعل سبحانه وتعالى حاجة العلاج أو ضرورة الشفاء سببا لرفع
الحظر والتحريم ، وذلك في قوله سبحانه : ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ
عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) الأنعام/119، فإن من الظاهر حينئذ
أن نميل إلى رفع الحرج عن مريضك – أيها السائل المكرم – في أمره بتخفيف لحيته إلى
الحد الذي يندفع به هذا الأذى عنه ، ولا يتمكن من نتفها ، ويندفع تأذيه بها .
فإن لم ينفع التقصير ، ولم يندفع عنه بلاؤه بذلك : فلا يظهر لنا حرج في أن تطلب منه
أن يحلق لحيته ، حتى يتجاوز ما ألم به ، ثم يعود إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم
فور انقضاء علاجه ، وهو في ذلك يحتسب أمره عند الله تعالى ، ويدعوه ويسأله أن يعفو
عنه ، ويكتب له الشفاء من كل داء .
وكل ذلك مشروط – كما سبق ذكره أول الجواب – بأن يغلب على ظن الطبيب أن الحلق أو
التقصير سيكون سببا في الشفاء بإذن الله ، وليس مجرد توهم أو ظن .
وللتوسع يمكن مراجعة الفتاوى رقم : (70319) ، (177699) .
والله أعلم .