لدي ثلاثة أسئلة متعلقة بالنذر : الأول : هل يجوز لي الوفاء بالنذر قبل حصول الشيء الذي عقلت عليه نذري ؟ الثاني : إذا نذرت أمرا ، ثم وجدته شاقا ، فتراجعت عنه ، فما الواجب علي ؟ الثالث : إذا قلت : لله علي نذر إذا حصل الشيء الفلاني أن أسبح 1000 مرة ، ثم حصل ذلك الشيء ، فهل لو سبحت ألف مرة ، أؤجر على ذلك التسبيح كحسنات أم سيكون ذلك التسبيح تأدية لذلك النذر ، ولن استفيد من حسنات التسبيح ؟
الحمد لله.
أولاً :
قبل الإجابة على أسئلتك ، نحب أن نبين لك : أن النذر مكروه ابتداءً ؛ لما روى البخاري (6608) ، ومسلم (1639) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر ، وقال : ( إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ ) .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولا يستحب – أي : النذر - ؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن النذر ، وأنه قال : ( لا يأتي بخير , وإنما يستخرج به من البخيل ) متفق عليه .
وهذا نهي كراهة , لا نهي تحريم ; لأنه لو كان حراما لما مدح الموفين به ; لأن ذنبهم في ارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في وفائه ; ولأن النذر لو كان مستحبا , لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأفاضل أصحابه " انتهى من " المغني " (10/68) .
ثانياً :
لا يجب الوفاء بالنذر المعلق ، إلا إذا حصل الشيء الذي عُلق عليه النذر .
قال الكاساني رحمه الله : " وإن كان معلقاً – أي : النذر - بشرط نحو أن يقول : إن شفى الله مريضي ، أو إن قدم فلان الغائب ، فلله عليّ أن أصوم شهراً أو أصلي ركعتين أو أتصدق بدرهم ، ونحو ذلك فوقته وقت الشرط ، فما لم يوجد الشرط ، لا يجب ؛ بالإجماع " انتهى من " بدائع الصنائع " (5/94) .
لكن لو أراد الشخص أن يوفي بنذره قبل حصول الشيء الذي علق عليه النذر ، جاز ؛ قياساً على إخراج الكفارة في اليمين قبل الحنث .
قال البهوتي رحمه الله : " ( ويجوز فعله ) أي : النذر ( قبله ) أي : قبل وجود شرطه ، كإخراج الكفارة بعد اليمين وقبل الحنث " انتهى من " كشاف القناع " (6/278) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (102991) .
ثالثاً :
المشقة المعتبرة التي يسقط معها وجوب الوفاء بالنذر ، هي المشقة التي يعجز معها العبد أن يقوم بفعل ما نذره ، فإذا نذر المسلم نذرا لا يطيقه ولا يحتمله ، أو نذر نذراً يطيقه لكنه عجز عن الوفاء به عجزا كليا ، ففي هذه الحال يسقط عنه الوفاء بذلك النذر ، وتلزمه كفارة اليمين ؛ لما روى أبو داود (3322) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ) .
قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (10/72) : " من نذر طاعة لا يطيقها , أو كان قادرا عليها , فعجز عنها , فعليه كفارة يمين " انتهى .
وأما مطلق المشقة ، وهي المعتادة في سائر التكاليف ، ومعتادة أيضا في أمر النذر الذي هو كلفة زائدة عن الواجب الشرعي ، وهذا نوع مشقة ، وأغلب من ينذر ، يتعمد أن يأتي بأمر له خطر في نذره ، ويعظم العبادة التي يجعلها نذرا له = أما ذلك كله فليس عذرا ، ولا يسقط به النذر عن صاحبه ، ما دام لم يتعذر عليه الإتيان به .
وللفائدة ينظر إلى جواب السؤال رقم : (194268) ، ورقم : (113215) .
رابعاً :
إذا وفى الشخص بنذر الطاعة ، فإنه مأجور على فعل الطاعة المنذورة ، ومأجور – إن شاء الله – على الوفاء بذلك النذر ؛ فالله جل وعلا قد أثنى على الموفين بالنذر ، كما في قوله تعالى : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ) سورة الإنسان : 7 ، والمدح لا يكون ، إلا في أمر مستحب أو أمر واجب ، وكلاهما يثاب عليهما الفاعل .
وعليه ، فمن سبح ألف مرة وفاءً بنذره ، فإنه يؤجر على ذلك التسبيح ؛ لأنه طاعة في الأصل ، ويؤجر أيضاً على الوفاء بذلك النذر أجر الامتثال .
والله أعلم .