أنا أعاني عند الوضوء من عدة شبه وهي: أني عند غسل يدي أغسل ظاهر الساعد وأقول في نفسي إنه لا يكفيني دلك الوجه المعاكس من الساعد ويدي تحت الماء لأن هذا يعتبر مسحاً وليس غسلاً مما يدفعني إلى قلب يدي تحت الصنبور قلباً حتى يصل الماء إلى الوجه المعاكس من الساعد، وهكذا الأمر بالنسبة لقدميّ، وأيضاً عند غسل وجهي أشعر بأن الماء لا يصل إلى مقدمة الرأس وإلى العذارين عند ملء كفي بالماء مما يضطرني إلى وضع وجهي تحت الصنبور حتى يصل الماء إلى تلك المواضع. فأرجو منكم - جزاكم الله خيراً - أن توضحوا لي وتفصلوا لي تفصيلاً ما هو الفرق بين الغسل والمسح، وهل يجزئ صب الماء على جزء من العضو ثم دلك جميع العضو بذلك الماء. وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله.
أولا:
اعلم – رحمك الله – أنه لا يجب الدلك في الوضوء أو الغسل عند جمهور العلماء ، ويكفي وصول الماء إلى عامة الجسد في الغسل ، خلافا لمالك رحمه الله .
قال النووي رحمه الله : " مذهبنا أن دلك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب ، فلو أفاض الماء عليه فوصل به ولم يمسه بيديه ، أو انغمس في ماء كثير ، أو وقف تحت ميزاب ، أو تحت المطر ناويا ، فوصل شعره وبشره أجزأه وضوؤه وغسله, وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني ، فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء .
واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه : ( فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك ) ولم يأمره بزيادة , وهو حديث صحيح وله نظائر كثيرة من الحديث" انتهى من "المجموع" (2/214) باختصار .
وقال ابن قدامة رحمه الله : " ولا يجب عليه إمرار يده على جسده في الغسل والوضوء , إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده . وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق, وأصحاب الرأي" انتهى من "المغني" (1/290).
وعليه: فالواجب في الوضوء غسل الأعضاء مرة ، والتأكد من وصول الماء إلى العضو ، ولو كان ذلك بغمس العضو في الماء ، أو وضعه تحت الصنبور ، أو نحو ذلك ، ولا يشترط أن تقلب يدك أو تضع وجهك تحت الصنبور ، بل هذا كله من التكلف والتنطع في الأمر الشرعي ؛ ولا يلزمك دلك الأعضاء إلا إذا لم تستطع إيصال الماء إلى بعض المواضع إلا بالدلك ، فإنه يلزمك الدلك في هذه الحالة ، لكن مع الانتباه إلى عدم الانسياق وراء الوسوسة .
والفرق بين الغسل والمسح هو أن الغسل يشترط فيه جريان الماء على العضو المغسول ، بخلاف المسح فإنه لا يشترط فيه ذلك ، إنما يشترط فيه أن تمس المكان المراد مسحه بيدك المبتلة ، من غير صب الماء أو إسالته عليه ، كما في مسح الشعر وغيره.
ثانيا:
اعلم أن اليقين لا يزول بالشك ، فإذا تيقنت شيئًا ، فلا تلتفت بعد ذلك للشكوك ، وإذا فعلت فعلاً فلا تلتفت إلى أي شك يأتي بعد هذا الفعل ، فإذا غسلت يدك جيدا وتأكدت بأن الماء قد أصاب العضو كله ، فلا تلتفت بعد ذلك ولو بلحظات إلى شك يقول لك إنك لم تغسل يدك جيدا ؛ لأن هذا من وسوسة الشيطان ، فلا تجاره فيما يوسوس لك به ، فإن الاسترسال مع الوسوسة ، واتباع ما توحي به : يوقع الإنسان في الحرج والمشقة والهم والكرب ، وقد يؤدي به إلى الجنون ، ويخرجه عن حد العقلاء .
وما ذكرت من صفة غسلك ، وتكلفك في ذلك : هو خروج عن الحد المطلوب في ذلك شرعا ، ووقوع في الوسوسة والتكلف ، فاصرف نفسك عن ذلك ، وتوضأ كما يتوضأ الناس .
ولمزيد من التفصيل عن الوسوسة وعلاجها انظر جواب السؤال رقم (131496)، (100268).
والله أعلم.