الحمد لله.
من أدب الطعام وحسن المؤاكلة أن القوم إذا اجتمعوا على طعام ، من تمر أو نحوه : فلا
يقرن الواحد منهم بين التمرتين ، فإن أراد أن يفعل فليستأذن أصحابه .
فروى البخاري (2489) ومسلم (2045) عن ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: "
نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ
التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعًا، حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ " .
وفي رواية : ( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ مَعَ صَاحِبِهِ فَلَا يَقْرِنَنَّ حَتَّى
يَسْتَأْمِرَهُ ) يَعْنِي التَّمْرَ
رواه أحمد (6149) بسند صحيح .
ورواه ابن حبان في صحيحه (5232) ولفظه : ( من أَكَلَ مَعَ قَوْمٍ مِنْ تَمْرٍ,
فَلَا يَقْرِنْ , فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ , فَلْيَسْتَأْذِنْهُمْ , فَإِنْ
أَذِنُوا له فليفعل ) .
ويتأكد النهي إذا كان الطعام فيه قلة والحاجة إليه شديدة ، وقد بوب ابن حبان رحمه
الله للحديث بقوله : " ذِكْرُ الزَّجْرِ عَنِ الْقِرَانِ فِي الْأَكْلِ إِذَا كَانَ
الْمَأْكُولُ فِيهِ قِلَّةٌ وَحَاجَتُهُمْ إِلَيْهِ شَدِيدَةٌ " انتهى .
ثانيا :
اختلف العلماء في ذكر الاستئذان في الحديث ، فقيل هو مدرج من قول ابن عمر ، وقيل هو
مرفوع بأصله ، والراجح أنه صحيح مرفوعا وموقوفا .
قال الحافظ رحمه الله :
" اَلَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدِي أَنْ لَا إِدْرَاج فِيهِ . وَقَدْ اِعْتَمَدَ
الْبُخَارِيّ هَذِهِ الزِّيَادَة وَتَرْجَمَ عَلَيْهَا فِي كِتَاب الْمَظَالِم
وَفِي الشَّرِكَة , وَلَا يَلْزَم مِنْ كَوْن اِبْن عُمَر ذَكَرَ الْإِذْن مَرَّة
غَيْر مَرْفُوع أَنْ لَا يَكُون مُسْتَنَده فِيهِ الرَّفْع " انتهى .
ثالثا :
النهي في الحديث محمول على الاستحباب عند الجمهور ، وقد تقدم في جواب السؤال رقم :
(184119) أن ما
كان من باب الآداب ومكارم الأخلاق فإن الأمر فيها يكون للاستحباب والنهي فيها
للكراهة لا للتحريم .
قال الهيتمي رحمه الله :
" وَالَّذِي يتَّجه : حمله - أي النهي - على مَا يعد الْقران فِيهِ مزريا
بِصَاحِبِهِ ، ودالا على تهوره فِي الْأكل ، وَعدم أدبه فِيهِ " انتهى من "الفتاوى
الحديثية" (ص/ 206).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الشيء الذي جرت العادة أن يؤكل واحدة واحدة ، كالتمر : إذا كان معك جماعة فلا
تأكل تمرتين جميعا ، لأن هذا يضر بإخوانك الذين معك ، فلا تأكل أكثر منهم إلا إذا
استأذنت وقلت : تأذنون لي أن آكل تمرتين في آن واحد ، فإن أذنوا لك ، فلا بأس .
وكذلك ما جاء في العادة بأنه يؤكل أفرادا ، كبعض الفواكه الصغيرة التي يلتقطها
الناس حبة حبة ، ويأكلونها : فإن الإنسان لا يجمع بين اثنتين إلا بإذن صاحبه الذي
معه ، مخافة أن يأكل أكثر مما يأكل صاحبه .
أما إذا كان الإنسان وحده فلا بأس أن يأكل التمرتين جميعا ، أو الحبتين مما يؤكل
أفرادا جميعا ، لأنه لا يضر بذلك أحدا ، إلا أن يخشى على نفسه من الشرق أو الغصص "
انتهى من "شرح رياض الصالحين" (4/ 217-218) .
راجع جواب السؤال رقم : (13348)
لمعرفة آداب الأكل على التفصيل .
والله تعالى أعلم .