الحمد لله.
أولا :
لا شك أن تعرض الإنسان لعرض المسلم والوقوع فيه بالبهتان والكذب من كبائر الذنوب
وموبقات الأعمال ، وربما ابتلاه الله في عرضه بما يسوؤه جزاء صنعه الخبيث وفعله
الشنيع .
وقد روى أبو داود (4876) عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : ( إنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةَ فِي
عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وإذا كان سباب المسلم فسوقا ، فكيف بالتعدي عليه في عرضه والتقول على زوجته بالباطل
؟!
ثانيا :
إذا ثبتت عليه بالبينة بأنه يتهم زوجتك المسلمة العفيفة بالفاحشة ظلما : فهذا رجل
فاسق ، يقيم عليه الحاكم حد القذف ثمانين جلدة ، وترد شهادته إلا أن يتوب ، قال
الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا
لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ
تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور/
4، 5 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" لما عظم تعالى أمر الزاني بوجوب جلده ، وكذا رجمه إن كان محصنا، وأنه لا تجوز
مقارنته ، ولا مخالطته على وجه لا يسلم فيه العبد من الشر، بين تعالى تعظيم الإقدام
على الأعراض بالرمي بالزنا فقال : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) أي:
النساء الأحرار العفائف ، وكذاك الرجال، لا فرق بين الأمرين ، والمراد بالرمي الرمي
بالزنا، بدليل السياق، ( ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا ) على ما رموا به ( بِأَرْبَعَةِ
شُهَدَاءَ ) أي: رجال عدول، يشهدون بذلك صريحا، ( فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ
جَلْدَةً ) " انتهى من"تفسير السعدي" (ص/ 561) .
ثالثا :
اتهام المسلم العفيف بأنه قواد : موجب للتعزير والتأديب ، من الحاكم أو من ينوب عنه
، قال النووي رحمه الله :
" ومن الألفاظ الموجبة للتعزير قوله لغيره : يا فاسق ، يا كافر ، يا فاجر ، يا شقي
، يا كلب ، يا حمار ، يا تيس ، يا رافضي ، يا خبيث ، يا كذاب ، يا خائن ، يا قواد ،
يا ديوث " انتهى من "المجموع" (20/ 125) .
وقال المرداوي رحمه الله :
" يُعَزَّرُ بِقَوْلِهِ " يَا كَافِرُ، يَا فَاجِرُ، يَا حِمَارُ، يَا تَيْسُ، يَا
رَافِضِيُّ ... يَا قَوَّادُ " وَنَحْوَهَا " انتهى من "الإنصاف" (10/ 217) .
رابعا :
مثل هذا الفعل الذي ذكرته ، إنما يكون عادة من فعل السفهاء ، أهل المجون والفسق ،
الذين يسعون في الأرض فسادا ، فلا تلتفت إلى ما يقوله ، ولا تشغل نفسك به ، فإنما
هي سفاهة من قول سفيه . وكل ما يمكنك أن تفعله : هو أن تبلغ المسؤولين عنه ،
ليتتبعوه ، ويعاقبوه بما يردعه ويردع أمثاله .
وأما ما ذكرته من أمر قتله ، لو قدر أنك وصلت إليه ، فأنت هكذا كمن يفر من الحر إلى
النار ، ويعالج الخطأ بخطأ أكبر منه ، فليس للقذف مدخل في القتل ، إنما حده في
الشرع ما ذكرناه لك ؛ ثم متى رأيت القتل علاجا لمثل هذا ؟! لا شك أنك سوف تزيد
البلاء ، والضرر ، والشر والأذى ، فلا تشغل قلبك بنيران العداوة ، فتعجز عن النظر
إلى الصواب من الأمور .
والذي ننصحك به : ألا تجعل
مثل هذا الأذى هاجسا يفسد عليك عقلك وقلبك ، ويشتت أمرك ؛ فلمثل هذا يعمل أمثال
هؤلاء السفهاء ، فاقطع كل سبيل من ناحيتك للتواصل مع مثل هذا ، ولو بتغيير رقم
هاتفك ، أو عدم الرد على الأرقام الغريبة ، ونحو ذلك .
وليكن لك في نبيك صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، فقد وقع المنافقون في عرض زوجته
العفيفة الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سموات ، والتي اتفقت الأمة على كفر
قاذفها ، ومع ذلك فقد صبر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأذى العظيم والبلاء
الشديد ، ولم يقتل أحدا ممن خاض في ذلك ، وإنما أقام عليه حد الله ، كما روى أبو
داود (4474) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " لَمَّا نَزَلَ
عُذْرِي، قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ،
فَذَكَرَ ذَاكَ، وَتَلَا - تَعْنِي الْقُرْآنَ - فَلَمَّا نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ،
أَمَرَ بِالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَةِ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ " وحسنه الألباني في "
صحيح أبي داود " .
راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (112134)
، ورقم (954) ، ورقم
(108955) .
والله تعالى أعلم .